تكاد تخلو البيوت السعودية من عناصر الطبخ الأساسية والكماليات؛ فالأكل بالمطاعم هو الأصل، والطبخ المنزلي هو الاستثناء!! بل اختفت حتى رائحة القهوة العربية التي كانت تجذب أهل البيت للاستمتاع بمذاقها العربي الأصيل في جلسة واحدة، ويتسامرون الحديث خلال اليوم. افتقدت البيوت الجلسات العائلية كأفراد أسرة في نمط حياة مختلف، ونفسيات باتت تتنافس على التغير والمضي نحو المجهول. كما أن صناعة الأطعمة وتجارتها أصبحت ثقافة تميز كثيرًا من الشعوب؛ ولهذا نسمع عن البوفيه الإيطالي واليوناني والصيني والياباني والتركي.. وهذا جعل ارتياد هذه النوعية من المطاعم لدى الشباب والشابات يزداد. اعتماد الأسرة على أكل المطاعم نتج منه جيل خامل متخم بالشحوم، وأمهات تجهل أبجديات الطبخ. ريم منصور إحدى المتزوجات حديثًا تقول إن لها في الزواج ستة أشهر، ولم تدخل المطبخ لعدم إلمامها بفنون الطبخ، ما عدا صنع البيض بالطريقة التقليدية، وأن زوجها أخذ بالتذمر؛ كون معظم وجباتهم من المطاعم أو من مطبخ البيت الكبير كما تسميه، وهو بيت أهل زوجها أو أهلها. أم ترف ذكرت أن لديها ثلاثة من الشباب وابنة، ومعظم أوقات الشباب خارج المنزل، والبنت أغلب الوقت أيضًا في المطاعم والكافيهات مع صديقاتها، وتضطر لتتناول وجباتها الرئيسية وحدها، أو بمشاركة إحدى جاراتها. أم محمد تقول إنه كان بالسابق اجتماع أبنائها وبناتها المتزوجين أسبوعيًّا في بيتها، والآن أصبح بعد أسبوعين لاجتماعهم بالمطاعم أو الكافيهات. أحد أصحاب المطاعم ذكر أن أغلب مرتادي المطاعم من الشباب والشابات، وأنه يلاحظ عليهم الاستمتاع في الجلسات بمذاق الطعام والأجواء المحيطة، والتصوير. الباحث في علم الاجتماع محمد الشيوخ شدد على مساهمة مواقع التواصل الاجتماعي «السوشيال ميديا» بشكل كبير وسرعة مذهلة في تغيير العديد من أنماط الحياة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية في سائر المجتمعات العربية والمجتمع السعودي على وجه الخصوص؛ وهذا يرجع إلى أمور عدة، لعل أبرزها أن عدد مستخدمي الإنترنت عمومًا في السعودية اليوم بحسب التقديرات يتجاوز 22.4 مليون مستخدم؛ وهذا يعني أن نسبة مستخدمي الإنترنت في السعودية تتجاوز 70 % من السكان، وهو واحد من أعلى المعدلات نموًّا في العالم العربي. والفرضية تقول إنه كلما زاد عدد المستخدمين للسوشيال ميديا في بلد ما فإن احتمال نسبة المتأثرين بها ستكون أعلى من أي بلد آخر يكون فيه عدد المستخدمين أقل. الشيوخ يؤكد أنه في الوقت الذي أصبحت فيه السوشيال ميديا اليوم واحدة من أهم الحاجات الضرورية للمواطن السعودي؛ كونها باتت تلبي له العديد من احتياجاته اليومية الأساسية، ففي الوقت ذاته أضحت واحدة من أكثر العوالم تأثيرًا على سلوكه وعاداته وأنماط تفكيره، سواء إيجابًا أو سلبًا على حد سواء. فمن العادات الأسرية المهمة والحسنة في المجتمع السعودي اجتماع أفراد العائلة مع بعضهم بشكل دوري، سواء على الغداء أو العشاء؛ إذ يتخلل تلك اللقاءات نقاشات مهمة في شؤون الأسرة بغية حل مشكلاتها والتخفيف من ضغوطاتها اليومية، وتفقُّد أحوال بعضهم. ومع السوشيال ميديا فقدت الأسرة الحميمية وبعض ميزاتها، واستهدافاتها الحيوية؛ لذا يلحظ العديد من أفراد الأسرة أثناء اجتماعاتهم أنهم مشغولون في هذا العالم، وأصبحت اللقاءات عند البعض صورية، بمعنى آخر أن الجميع بات مشغولاً في عالمه الافتراضي الخاص به، وفي شبه غربة عن العالم الواقعي. وفي المقابل، هناك بعض الأسر في مجتمعاتنا هجروا هذه اللقاءات التي تعقد غالبًا في منزل الوالدين، واستبدلوها بارتياد المطاعم بصورة مفرطة كنوع من أنواع البرستيج الجديد. إن ارتياد المطاعم وتغيير مكان اللقاءات الأسرية بصورة معتدلة ليس مستهجنًا، بل قد يكون محبذًا، طالما أنه في سياق كسر الروتين والتجديد، أما الشيء غير المحبذ فهو أن يصاب المرء بحالة من الهوس، أي الانفعال غير المتحكم به؛ ما يجعله أسيرًا للعادات السلبية، ومنها ارتياد المطاعم بصورة غير مقننة، وعلى حساب العادات الاجتماعية والأسرية الإيجابية التي من شأنها تعزيز روح التضامن بين أفراد الأسرة، وتجسير العلاقات المتبادلة، وتخفيف الكثير من الأعباء والضغوطات النفسية والاجتماعية. كما ذكر الباحث الاجتماعي أن غياب المشهد العائلي الذي يجمع الأبوين مع أبنائهم لأي سبب من الأسباب سيؤثر سلبًا على العلاقات الأسرية، كما أنه سيُحدث خللاً على الصعيد الاجتماعي.