أقيمت ضمن «البرنامج الثقافي» للمهرجان ندوة عن «الرواية العربية المعاصرة والأيديولوجيا: شهادات» التي أدارها الدكتور أحمد عيسى الهلالي، بمشاركة الروائي يوسف المحيميد، والدكتور شعيب حليفي، الذي قال: إن مفهوم الرواية دقيق وشائك فالمفاهيم ما هي إلا وسيلة تساعد على الفهم وتأخير الأفكار، والأيديولوجيا هي عناصر واقعية تدخل النص وتؤثر فيه وتتحول إلى تخيل ولا تظهر في محتوى النص بل في الشكل أيضًا، وهي بحث دائم عن قيم ترتبط بالذات والإنسان والمجتمع ومن ثم تصبح الأيديولوجيا بها هي تمثيل ما للواقع، فخطاب الجماليات لا يستقيم إلا بصراعه مع خطاب أو خطابات أخرى في المجتمع ثقافية وغير ثقافية، والأيديولوجيا تسعى إلى إقناع قارئ أو قراء بأحقيتها، وقد استطاعت الرواية أن تكون نصًا وخطابًا ونقطة التقاء بالأفكار والمشاعر ودائمًا تسعى إلى كشف الستائر التي تحجب أشياء كثيرة، لذلك فإن خطابها لا يعمد إلى الخطاب السياسي أو القانوني أو الاقتصادي بل إلى اللغة وجماليات الكتابة، والرواية هي كل تلك الأصوات والمواقف والقناعات والأحلام واليأس والصراع. وأكَّد الدكتور د.شعيب على أن المتلقي متنوع في سياق تهيمن عليه ممارسات وقوانين وخطابات وتأويلات ونمط الإدراك والأفعال وردود الأفعال، والمتلقي بين عالمين عالم الواقع الذي يعيشه والعالم الممكن وانطلاقًا من العالم الواقعي يتم العبور إلى العالم الممكن الذي من خلاله نغير أفكارنا وتتغير إلى واقع آخر. وأوضح أنه اعتمد على التأويل الذي يراه في تجربته. بعد ذلك تداخل المحيميد متفقًا مع شعيب على أن تحديد مفهوم الأيديولوجيا من أكثر المفاهيم صعوبة من الناحية العلمية.. قائلاً: الأيديولوجيا هي اليقين والإيمان بفكرة ما، فالأدب والإبداع هو اللا يقين فمتى وصلت الرواية إلى اليقين الخالص وتخلت عن الشك فهذا يعني أنها فقدت سحرها وجمالياتها، مشيرًا إلى أن المبدعين والقراء أصحاب مواقف أيديولوجية تجاه كثير من القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية؛ مضيفًا: هذا طبيعي ولكن يجب ألا تكون المواقف محكومة بأيديولوجيا ثابتة وجامدة، لأن التغيير سنة كونية، وأن أكثر ما يضعف النص الروائي تدخل الأيديولوجيا الصارمة بشكل مباشر وهذا ما يجب أن يدركه المبدع مبكرًا لكيلا يتحول النص إلى خطاب أو بيان أيديولوجي، وهناك عديد من الروائيين في العالم نجحوا في ذلك واستطاعوا أن يفصلوا بين المواقف الفكرية والأيديولوجية بشكل فاعل، وأصبحت متحولة ومتجددة من وقت لآخر، وعلى مستوى الرواية العربية فكثيرًا ما تهيمن الأيديولوجيا على الخطاب الروائي العربي وتتحول جميع عناصر الرواية ومكوناتها لصالحها. وقال المحيميد: إن النص الروائي الذي يتقصّد خدمة الأيديولوجيا يضعف أمام إغراءاتها ويتحول إلى أدب شعاراتي، وهو ما يجب على الأديب والروائي الحذر منه، فيجب لجم الانفلات الأيديولوجي لكيلا يعبث بالنص خرابًا، وأن الأيديولوجيا المباشرة حينما تتسلل من باب الأدب يهرب الإبداع والفن من نافذته، ولا يعني ذلك أن العمل الأدبي لا يحمل مضمونًا، بل يحمل همًا إنسانيًا كونيًا.