فيصل بن خالد يقيم مأدبة إفطار لأهالي المنطقة    توصيل الإنترنت عبر الضوء    الأسهم الأوروبية تغلق على ارتفاع قياسي    تحالف «أوبك+»: ملتزمون بتعديلات الإنتاج الطوعية البالغة 2.2 مليون برميل    استخبارات الحوثي قمع وابتزاز وتصفية قيادات    أكبر عذاب تعيشه الأجيال    زيلينسكي: نحن بحاجة إلى سلام حقيقي.. ونأمل دعم واشنطن    مدرب الريان: التفاصيل الصغيرة ستحسم مباراتنا مع الأهلي    تهنئة بلغاريا بذكرى اليوم الوطني    "حديث السّحر" ماشفت ، ماسويت ، ماقلت ، مدري    «الغذاء والدواء»: 1,450,000 ريال غرامة على مصنع مستحضرات صيدلانية وإحالته للنيابة    أسعد بشيّه في ذمة الله    بعد صدور قرار تأسيسها ..جمعية أدبي الطائف تعقد أول اجتماع لمجلسها الجديد    خديجة    الإيمان الرحماني مقابل الفقهي    وزارة الشؤون الإسلامية تنظم مآدب إفطار رمضانية في نيبال ل 12500 صائم    المشي في رمضان حرق للدهون وتصدٍ لأمراض القلب    تأثيرات إيجابية للصيام على الصحة النفسية    أطعمة تكافح الإصابة بمرض السكري    جيسوس يكشف أهدافه من مواجهة باختاكور    السد يتعادل مع الوصل في دوري أبطال آسيا للنخبة    اختبار صعب لممثلي الوطن الهلال والأهلي    الشهادة التي لا تسقط بالرحيل    قال «معارض سعودي» قال !    6 مجالات للتبرع ضمن المحسن الصغير    ولي العهد والرئيس اللبناني يعقدان جلسة مباحثات رسمية    دبلوماسية الردع عن بُعد    تنظيم الشاحنات الأجنبية يدخل حيز التنفيذ    التسامح...    5 مواقع للتحلل من النسك    التعليم السعودي يفتح خزائنه في سباق العشرين عالمياً    عينك على البحر.. عينك على المستقبل !    الدوري أهلاوي    الإعلام ثم الإعلام ثم الإعلام!    مشروع الأمير محمد بن سلمان لتطوير المساجد التاريخية يعيد الأصالة العمرانية لمسجد الرويبة    برعاية خادم الحرمين.. الأميرة فهدة بنت فلاح آل حثلين تكرّم الفائزات بجائزة الملك سلمان لحفظ القرآن    «حماقي» يطمئن جمهوره على حالته الصحية بعد نقله إلى المستشفى    إعلامنا ما سنحققه غدًا    محلل إسرائيلي: حكومة نتنياهو تتصرف بشكل مغامر في جميع الجبهات    مجلس التنفيذيين اللبنانيين يعلق آمالاً كبيرة على نتائج زيارة الرئيس اللبناني    الذهب يرتفع بفعل ضعف الدولار.. والأسهم الآسيوية تكسب بحذر    أمير الرياض يستقبل المهنئين برمضان من دبلوماسيين ومديري فروع حكومية    آثر من حدائق الإنسانية    فيصل بن مشعل يزور القضاة والمشايخ    جوازات جدة تستقبل رحلات المعتمرين خلال رمضان    أمير الشرقية يستقبل سفير طاجيكستان.. ويطلع على أهداف "مقتدر"    «صم بصحة».. جهود توعوية لجودة الحياة    لصيام دون مخاطر.. إرشادات لمرضى السكري    مركز الملك سلمان يدشن مشروع سلة"إطعام" الرمضاني    محافظ الخرج يشارك رجال الأمن وجبة الإفطار في الميدان    مَارَسَ الاحتيال.. «الفنانين العراقيين»: إيقاف مسار الحجامي 6 أشهر    من «مسافر يطا» إلى «هوليوود».. فلسطين حاضرة في منصة تتويج «الأوسكار»    أمير القصيم يستقبل العساف بمناسبة تكليفه محافظًا للرس    والد زوجة الزميل جمال صالح في ذمة الله    السلمي يحتفل بيوم التأسيس مع "التوفيق" لرعاية الأيتام    أمطار رعدية على مناطق المملكة حتى يوم الجمعة المقبل    أُسرتا كيال والسليمان تتلقيان التعازي في فقيدهما    3500 قطعة أثرية تحت المجهر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تحولات الأنا الشعرية في فضاءات التشظي والنرجسية
تصوير - خلود العيدان
نشر في الجزيرة يوم 28 - 01 - 2017

إن منطلق هذه الورقة هو اهتمامي بالأدب السعودي الذي لم يتح لي التخصص فيه أثناء دراستي العليا لكني أعوّض هذا بالاهتمام به بحثا ودرسا وتدريسا..
إن مجال الحديث عن أدبنا السعودي واسعٌ لا يكفيه مدادَ الكلمات مهما قلنا.. وفي هذا المساء ارتأيتُ تناولَ شخصية شعرية من منطقة الباحة استطاعت أن تغرّد بصوتها وتحلق بعيدا في مساحات شاسعة على خارطة الشعر السعودي والعربي..
وفي جامعة الباحة – حيث أعمل _أصاب بخيبة كبيرة وأنا أرى الطالبات من ذات المنطقة لا يعرفون أدباء المنطقة – وهم أشهر من نار على علم – إبداعا وإنتاجا ونشاطا-.
ولا أخفيكم أنني أهتم بعقد دراسة خاصة ومغايرة لما طُرح من دراسات تناولت شعراء الباحة ومن خلال اطلاعي عليها وجدتُ – غبناً وهضما لحقوق بعض الأصوات الشعرية المتميزة والمتفردة هنا - فبدأت هذه الفكرة مع الشاعر الذي ترجل ورحل قبل أن يرى ما بدأت به.. والشاعر السابي أمدني بدواوينه ودواوين أخرى.. ومؤخرا حصلت على مسودة ديوانه الأخير .. واحتفاءً به وبإنجازه آثرتُ أن يكون محور هذه الأمسية – رغم رفضه القاطع – إلا أنني وجدت في ديوانه الأخير ما يستحق أن يُقرأ في هيئة مساءلات للأنا الشعرية المخاتلة في هذا الديوان المتميز منذ عتبة عنوانه..
وقد حرصت في هذه الورقة أن أبتعد وسع الطاقة عن الصرامة المنهجية وأن أعلو بها فوق كل منهج وأحيدُ بها إلى ملامسة فضاءاتٍ متجسّدة في الأنا العالية التي يخاتلنا بها الشاعر منذ العنوان، شذراتٌ من العواطف والمشاعر تنسكبُ هنا وهناك من لدن هذا الصوت الممتلئ إبداعا فخرجت في عدد من المجموعات الشعرية بلغت خمس مجموعات دون الأخير، هذا النتاج أخذ في التشكيل الواعي لهذه التجربة الشعرية الثرة، تبدأ الأنا التي تخاطب الآخر في شكل تأبين شعري لصديق الشعر والعمر، وهي تصوغ حنينا لم يكتمل بوحه، الأنا التي ارتبطت بالمكان والإنسان فيه.. تجسد هذا الارتباط في مرثية لروح الصقاعي، يتجلى فيه خشوع الحنين، يعاتب الشاعر صديقه الذي ترجل ومضى، وتسير الأنا في هذا النص في مسارين الأنا المتألمة جراء الفقد، والأنا الساخطة على الجور ووأد الطموح والتناسي وهي الأنا الغيرية بتشكلاتها البادية في النص المغيّبة عن المشهد لكنها حاضرة بأفعالها في صور تجسد المعاناة الجمعية فهي وإن كانت تصور حالة بعينها إلا أنها إسقاط جمعي يحمل معنى « التثوير اللغوي
« ضد التجاهل ..متنقلا بين السرد والحوار حينا والإيحاء .. في قصة وفاء يغلفها ألم الحنين الباكي..
وظهرت الأنا المنكسرة المتسربلة في قداسة الموت وهي تعاني فقد عزيز وتصور سكون الوجدان المذهول من سرعة الفقد، باختيار صوت الكاف الساكن المسبوق بألف مد..
يا نقيّ الروحِ
مهلاً
لا تُعجلْ في خطاكْ
قف بنا في ( الغار)
أخرى
نقتبسْ فيها
سناكْ
وأعرنا منك
نبلاً
ليس يقواه
سواكْ
ولا شك أن المكان من التمظهرات المهمة التي تسهم في رصد فضاء الأنا الشعرية رؤيا وتشكُّلا.
والمكان يتجلى بوضوح في حنين الشاعر المعروف بحبه للسفر والضرب في الأرض ، ونفوره من الاستقرار في مكان واحد، وإن كانت من الحسنات التي تفتح للشاعر آفاقاً جمة في معايشة أمكنة مختلفة والتعامل مع أشكال متباينة من البشر، إلا أنها تكون في بعض الأحايين على حساب الاستقرار النفسي للإنسان!
والرؤية السابية تشكلت لها من خلال هذه الأسفار والتنقلات تجربة متفردة أثْرت شاعريته من خلال موقع المكان في عنوانات قصائده، والشخصيات التي ترد تباعا في مجموعاته الشعرية حتى ديوانه الأخير. وكذلك من خلال فضاءات الأنا التي سارت في مساربَ متعددة تحصرها هذه القراءة بين ا لتشظي والنرجسية.
الديوان الأخير أناي التي أريد يتبلور فضاء الأنا الإقصائي للآخر منذ عتبة العنوان ثم الإهداء.. وهي من العتبات المهمة في قراءة النص الشعري وتحقق للمتلقي صدمة البداية- إن صح التعبير-.
فضاءات التشظي تتنازعها الحيرة والتساؤلات المبهمة حينا والكاشفة حينا آخر, وإن قرأنا الديوان كاملا لن نصل ل الأنا السابية أو التي يريدها، فهل وصل هو إليها؟
يكاشفنا مرة أخرى بقوله في عتبة الإهداء: لأناي التي أريد..دون وصاية من أحد..
في نص خسران يقول:
يا أنا
يكفي
سؤال
يا أنا
لم تعدْ
مني
وما عُدتُ
أنا
كيف أبدلتَ
نعيمي
حرقةً
وحملتَ الهمَ
نحوي
والعنا
يا أنا
كيف أسميك
أنا
وحقول القمح
ما عادت
لنا
هنا تجتاح أنا الشاعر رغبة الالتحام ولكن تصطدم بالعوائق النعيم والحرقة،الهم والعنا الحقول التي ما عادت لنا، تشكل الذات مركز هذه القطعة الغنائية لشاعر يرى في الأشياء حوله دلالة العدم، يا أنا كيف أسميك أنا؟
يعقد فاضل ثامر مقارنة في الأنا الشعرية عند الشاعر الرومانسي والكلاسيكي والحداثي، ولكن حضور الأنا في رأيي في التجارب الشعرية تشكل تحولات الذات المعلنة والكامنة المنطلقة من هاجس يحمل دلالات الخصوبة الشعرية المراوغة التي تخدش أفق توقعات المتلقي لا سيما عند الشعراء المبدعين لتكون دالة على التجارب الأكثر نضوجا وحيوية.
إذن .. هل هي نرجسية شاعر أم هو تواضع المكثر الذي أرى بهذا الديوان لاسيما بعد تجربته الصوفية وتماهيه مع ابن عربي والحلاج في أشواق الصوفي قد وصل أو يكاد لقمة التجلي وكشف ما خلف الحجب، هو يقول:
أنا الحكيمُ وفي نهجي وفلسفتي
أن المرارةَ أحياناً من الورعِ
أيّ مرارة تكتنفها هذه الأنا المتجلية التي تعصف بمتلقي هذا الشعر من تخوم تهامةَ حتى ذُرى السراة..
تحمل هذه الأنا في تحولاتها الشعرية فضاءً من التحليق المجلّي للحنين في الأمكنة في التخوم في الحقول في النخل في السماء وفي الماء وفي النساء وأشباه النساء. نجد هذا في نص « راحلة من وله، ومنزلي، امتثال، موت على الماء، قتيل وقاتل.
أي فضاء انداحت فيه الأنا الشعرية اللاهثة خلف ما تريد، هو يمضي كالعراف يجمع متناقضات لا تلتقي في الواقع لكنها في التجربة السابية متواترة وقائمة.
في نص تمرد:
يصنع الشاعر من اللامنطقي منطقا يحتج به ليؤمن به، يتمرد على حدود الحب ليجعله كالصداقة الممتلئة بالأكاذيب، نص قاسٍ جدا يضع النفس الإنسانية في مواجهة ذاتها حين تتنصل من الحقيقة، حين تمتلئ بالتناقضات التي لا تجتمع في الواقع:
دعينا نكن أصدقاءَ
ويكفي
بأني أحبك كالأصدقاءْ
أخاف عليك
وأسألُ عنكِ
وأكتبُ حين
تغيبين شهراً
وعاماً
لماذا تركتِ
مواعيدَ قهوتنا
للمقاهي
ولم توقظي
رغبةً في الحديث
وفي بسمةٍ
من دواعي الصداقةِ
دعينا نغير
مجرى الحديث
ونقرأ عن
نبتة الزعفران
وكيف سيدخل
هذا المساء
عن الصيف
وعن وعن وعن
مجرد أحاديث وهواجس يتظاهر بها ب اللامبالاة..
لكن يعود لفضاء التشظي فتتسع هذه الهواجس في نرجسية مرآتية لأن الآخر هنا هو حبيب تتوق إليه نفسه لكن لا يظهر أي توازن مع هذا الآخر، فظهرت الشخصية الشعرية هنا بشخصيتين متضادتين شخصية الصديق وشخصية الحبيب، وتطغى الشخصية الثانية وهي المتحدثة في النص بدلالة تكرار لازمة (أحب) ست مرات في مقاطع النص
وأدت إلى خلق الشخصية الوهمية شخصية الصديق، التي لا تمثله أبدا، إنما هي انعكاس الموقف، لأن الصورة المرآتية هنا هي ذات الشاعر المنكسرة بين ( الأنا والضد) وأحدثت توازنا قلقا سرعان ما انهار مع وصول النص إلى مقطعه الأخير:
دعينا نكن أصدقاء
ويكفي
بأني أحبك كالأصدقاء
وكأنه يريد كبح جموح النفس عن التحليق في مزيدٍ من الألم والأوهام والآمال الكاذبة، فأحدث انزياحا كليا للآخر، في قوله:
أحب غبائي
إذا ما شعرتُ بأنك مني
تفرين نحوه
هو يشعر ( بخبث) الشخصية الثانية وبذاته الخاسرة مقابل انتصار الذات الأخرى عليه الحاضرة في فضاء الأنا المنهزمة برغبتها « حرفي، اندفاعي، لغيري، لي، عني، فكري، قربي»
انشطار الثنائية ( أنا المتكلم/ أنت المخاطب) التي سرعان ما تهوي أما تضخم الذات النرجسية الرافضة للاعتراف بالانهزامية فتقطع كل توقٍ ورغبة تتحول إلى « صراع ضدي داخلي» انشطار الذات الرومانسية المحلقة المهتمة بتفاصيل الأشياء وبين الأنا العليا المتمردة لتتشظى في فضاء الأنا الراغبة في البقاء جوارها حتى مع تعالي الرفض، فهذه الذات تتمنى إتاحة الفرصة للبقاء ولو كالأصدقاء، لكن تحولات الأناء تشير هنا إلى انكفاء الشخصية التي تعد أنموذجا للحب والتواصل الإنساني حتى مع انشطارها الهائل هذا تأويل لكن النص مفتوح الدلالات لقراءات تأويلية مغايرة.
: أحب الأكاذيبَ
وهي تتكرر
أحب الطلاءَ الذي
في الأظافر
يخبئُ عني
مساماتِ غيري
أحب
ضحالة فكري
لديك
وحين نعرض لعنوان الورقة نقرر أن فصل شخصية الشاعر عن شخصيته المعاشة في حياته اليومية، وشخصيته الشعرية ، وشخصيته الإعلامية من الصعوبة بمكان فظاهر الشعر مباين تماما لخفيه وما ينطوي تحت رموزه من هنا كان من الصعب» القبض على الوجه الخفي» في شعر أي شاعر لا سيما شعراء الحداثة وما بعد الحداثة.
كذلك نجد أن أيقونة «الأنثى» كثيرة التردد في شعر سابي ولكن أي امرأة هي، في إحدى حواراته صرح بوجود المرأة الفعلي في كل دواوينه، وهي الأنثى الجسد الأنثى المدينة الأنثى القصيدة، وهذه من المحاور الموضوعية الكبرى في التجربة السابقة ككل.
والحديث عن التجربة السابية يقتضي دراسة كافة مجموعاته الشعرية، والتي ستظهر نتائج مغايرة في هذه التجربة المتميزة شعريا.
أما النرجسية فهي ظاهرة نفسية نحاول الاستئناسَ بها للكشف عن بعضٍ من تلك الأنا التي يريدها الشاعر، النرجسية «هي الحب الموجه إلى صورة الذات، فأي موضوع يعكس نرجسية الذات يكون هو موضوع الحب» . وموضوع الحب من الموضوعات التي لا تكفيها دقائقَ محاضرة وأنا هنا سأحاول التطرق إلى بعض سمات تحقق الأسطورة في هذا الديوان..
من المسلم به أن العلاقة النرجسية بالنفس تسهم في تأسيس البعد الخيالي للعلاقات الإنسانية، وتتحقق في ثلاثة معاني تتضمنها هذه الأسطورة هي معنى العزلة ومعنى الحب ومعنى الموت..
إن النرجسيةَ بنيةٌ تحتية يغلف بها الشاعر موضوعات الحب تحديدا ليطرحها خارج نفسه، وهذا كي لا تكون سببا في «التدمير الذاتي» لهذا يأتي بطرف ثالث هو « اللغة» فيصنع بلغته الشعرية حوارات يظهر فيها الآخر لكن هو هو حواره مع أناه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.