(حتى إذا اجتمع الذين تحبهم، وتجملوا في حضرة المرآة، معترفين أنك بينهم.. ونزلت وحدك؛ كي تكون الضيف فيهم.. ما الذي بالدفء يستهويك في الصلصالِ؟ أبردُ من كفوف الجامدين، إذا أخذت مكانهم.. وأرقُّ من عذر الذين تأخروا، لو ما سمعتَ كلامهم.. فلأيّ معنى تصنعُ الصلصالَ بالصلصالِ؟ هذا دربُ من قطعوا الحبالَ، وهذه الأوقات ينزفها الرجالُ دماً يصرُّ على اتساع الجرح منتظماً على الدقات في كل القلوب: أتوا إلينا، من أتوا يوماً علينا.. فتشوا الأصداف في كل الصدور.. فامتلأتْ يدانا من يدينا، ثم.. فانقطعتْ يدانا عن يدينا.. من لنا؟ ماذا علينا؟ كل ما قلناه سرّاً ذات يومٍ قد يكون الآن مكتوباً على الطرقات: لا بابٌ هناك ولا نوافذ.. لا أطايبُ، قد تلذّ بها الموائدُ.. كل ما فوق الصفيحة باردٌ، والليل غيمٌ.. والنهارُ الآنَ غيمٌ.. كلُّ شمسٍ تحتها قطراتُ ماءٍ، كلُّ عينٍ فوقها قطراتُ ماءٍ، كلُّ ما فوق الصفيحة ماؤها، والماء باردُ.. من يحنُّ إلى أخيهِ؟ ومن يسيرُ على هواه، إذا الرمادُ سيقطفُ الشعلاتِ من كعبيهِ؟ لا.. لن يختفي من كل كفٍّ خطُّ طولِ العمرِ، لا.. سيطولُ عمرُكَ كي تردّدَ: ما الذي بالدفء يستهويكَ في الصلصالْ؟ ويطولُ عمركَ، كي تدسَّ الضوءَ في أعلى الجبالِ، وتجمع الصلصال من كل الموائدِ.. ثم تصنع ما ينام، لآخر الدنيا لديكَ، وينتهي في ما يقولُ بما يقالْ.. - ماذا سيستهويك في الأدغالْ..؟ ستقولُ: أرضُ اللهِ واسعةٌ، وأنا غريبٌ، كيفما أمشي أكونُ.. يكونُ بي، وبخطوتي الترحالْ.. فليس بالصلصال وحده تُعرف الأشكالْ). كلُّ هذا العنوان، وما بين الهلالين، كنتُ جادّاً في كتابته قبل عقدين.. ولأن مزاح الحياة مع العمر يكرر نفسه، ومزاج الدروب مع الأماكن نفسها يتكررُ، لم أجد بدّاً من التماهي مع الصلصال نفسه.. تأكيداً على أنّ (ليس بالصلصال وحده) وأن الصلصال نفسه لم يعد وحده المحافظ على طبيعته، بعد أن أصبحت الطبيعة كلها صلصالاً.!