ما الذي ستفعله قطرةٌ وحيدةٌ تسقط في بئرٍ مهملة؟ قال الذي أراد معرفة الأيام قبل تورّطها قدوماً، ولم يتقدّم خطوة واحدة نحو البعيد باحثاً في نفسه عن دليل إليها ليتفحّصها إذا ما كانت كما يدّعي البعداءُ أو أنها تكوّنت لتكون أقلّ من القطرة بقطرات كثيرة وخارج الوحدة وحدها.. * * * - ماذا تقول عن الذين.. - لا تبدأ بهم، إذا كنتَ ستنتهي بي - وهل مثلكَ يصلح للابتداء؟ - اسمع إذاً: كل بداية تحتاج إلى الاصطدام بظلّها حتى تصنع لنفسها حفرة تنمو داخلها بانتظار لفتة من ضوء يكسرها وظلها في لحظة واحدة ليجعل منهما ما يمكن أن يضعهما على أول الطريق أو نهايته – سيّان – فللنهاية ابتداءٌ أيضاً. - وهل ثمة جدوى من الطرقات؟ - هي امتدادٌ لما نخفيه في كفوفنا. - وما الذي نخفيه؟ - كنا في الماضي نحاول إخفاء الجمر الذي كنا نتسلّى بلذعته اللذيذة على أطراف أناملنا التي تمرّنت طويلاً على النقر فوق تلك الطاولة حينما كانت لنا، أما الآن فلا طاولة تمتد أمامنا إلا وهي ممتلئة بالجمر.. فاللذعات، وإن كانت من ألسنة دخان تتلوى حولنا، ستكون كفيلة بالتخلي عن أناملنا كلها، والتمادي في إخفاء الكفوف الفارغة تحت طاولات مستعارة. - لا تستعن بالاحتمال من أجل تبرير نزعتك إلى التداعي، فليس من حقك التكلّم بصيغة الجمع وأنت لا تستحق أن تُجمع إلا بعظامك في مبخرةٍ واحدة. - ذكّرتني بالمباخر والشتاء: كان الهواءُ المستديرُ دليلَنا للمبخرةْ والجمرُ كان، هو المرايا والصدى في كلّ زاويةٍ لنا كنا نجددُ موعدا وتأخّرتْ فينا المواعيدُ السريعةُ لم نسابقْ ظلّنا.. كان الهواءُ هو الذي يجري بنا في كل دربٍ والدروبُ تلفُّ حول حلوقنا وتشدُّ طوقاً من حديدٍ باردٍ حتى إذا استسلامنا يأتي بنا ويمدُّ في أجسادنا بوحَ السقوفِ إلى الجدارِ وما يحضّ على السكينةِ في الرّدى سيظلّ قلبٌ في الضلوع مشرّدا ويتوه عنه سؤاله: ماذا سنكسبُ، في النهاية، من خسارة بعضنا؟ أمسٌ تحكَّمَ، حين قلنا: قد مضى واليومُ حتماً.. سوف يقضي مثل حُكمٍ سوف ننقضه غدا فالنارُ تأكلُ من جفونٍ، قد حسبناها تغطّي مشهداً، قد كاد يكشفُ مشهدا والدمعُ ظلَّ مجمَّدا... * * * ما الذي فعلته بئرٌ وحيدةٌ نفرتْ منها قطرةٌ مهملة؟ قال الذي أراد اجترار الذكريات بعد تفرّقها ابتعاداً، ولم يقترب من نفسه خطوة واحدة حتى يجتمع بها ليختبرها إذا ما تكوّنت لتكون كما يدّعي المتقاربون أو أنها كانت أكثر من القطرة بقطرات قليلة زاد الإهمالُ عليها كثيراً.. وماذا عن الوحدة؟ قال، وكأنه يكلّم أحداً.