سأكتب اليوم عن المحاولة الوحيدة، عبر التاريخ السياسي لأمريكا، والتي كادت أن تنجح، لإلغاء نظام المجمع الانتخابي، في الانتخابات الرئاسية لأمريكا، وهو النظام الفريد، الذي كان، ولا يزال يواجه انتقادات واسعة، حيث من الممكن أن يفوز المرشح بتصويت الشعب، ولكن يخسر الرئاسة، كما حصل في الانتخابات الماضية، مع هيلاري كلينتون، وقد حدثت هذه المحاولة قبل قرابة نصف قرن، في عهد الرئيس، ريتشارد نيكسون (1969- 1974)، على خلفية ما جرى في الانتخابات الرئاسية لعام 1968، والتي كانت بين ثلاثة مرشحين : الجمهوري ريتشارد نيكسون، والديمقراطي، هوبرت همفري، والمرشح عن حزب الاستقلال، الحاكم المتطرف لولاية ألاباما الجنوبية، جورج والاس، والذي كان نازياً، وبنى حملته على معارضة قانون الحقوق المدنية، الذي يساوي بين البيض والسود، وهو القانون الذي وقّعه الرئيس الديمقراطي، ليندون جانسون قبيل تلك الانتخابات، فماذا جرى؟!. خلال تلك الفترة الحرجة من التاريخ الأمريكي، كانت أمريكا في حرب مع نفسها، بسبب حرب فيتنام، ومظاهرات السود، المطالبين بالعدالة والمساواة، واغتيال المرشح الديمقراطي للرئاسة، روبرت كينيدي، بعيد سنوات قليلة من اغتيال شقيقه، الرئيس المرموق، جون كينيدي، وقد شكّل المرشح المتطرف جورج والاس خطراً، بأجنداته العنصرية، ورغم أنه لم يفز بالرئاسة، إلاّ أنّ إمكانية فوزه، أو فوز غيره، من المعتوهين، بسبب نظام المجمع الانتخابي، أصبح وارداً، وبالتالي تحمس بعض المشرعين في الكونجرس، وقدم عضو مجلس النواب عن ولاية نيويورك، إمانويل سيلر، مشروع قانون لإلغاء نظام المجمع الانتخابي، وقد تحمس الكثير من النواب لهذا المشروع الثوري، من الجمهوريين والديمقراطيين، وبالتالي تم تمريره من اللجنة القانونية بالمجلس، ثم تم إقراره بالأغلبية من مجلس النواب، وتم رفع المشروع لمجلس الشيوخ!. في مجلس الشيوخ، تبنى المشروع عضو المجلس عن ولاية إنديانا، برش بايه، ودعمه الرئيس القوي، ريتشارد نيكسون، ثم صوتت لجنة الشؤون القانونية بالمجلس بالموافقة عليه، وبقيت الخطوة الأخيرة، موافقة مجلس الشيوخ عليه بأغلبية الثلثين، ليصبح قانوناً نافذاً، ويلغى نظام المجمع الانتخابي، وحينها حدثت تطورات لم تؤخذ في الحسبان، وفتر حماس الرئيس نيكسون للمشروع، ثم حصلت مناقشات حادة في المجلس، اعترض خلالها ممثلو بعض الولايات على المشروع، واستمر الجدل طويلاً، حتى مات المشروع نهائياً، واستمر نظام المجمع الانتخابي حتى يومنا هذا، ولو نجحت تلك المحاولة، لما رأينا جورج بوش الابن في البيت الأبيض، ولما أصبح دونالد ترمب رئيساً اليوم، وهنا يتوجب طرح الكثير من الأسئلة، بخصوص المستفيد الأكبر من هذا النظام الديمقراطي العجيب، ولماذا استمر حتى اليوم، ولماذا تم إقراره ابتداءً، وهي أسئلة مشروعة، تطرقنا لها فيما مضى، وسنتطرق لها مستقبلاً بكل تأكيد.