يوم التاسع من نوفمبر الماضي، تم إعلان فوز المرشح الجمهوري، دونالد ترمب، برئاسة أمريكا، وعلّقنا على هذا الفوز، وبدأت ردود الأفعال الأمريكية والدولية تكتسح وسائل الإعلام التقليدية والسوشال ميديا، وأقيمت الاحتفالات الصاخبة، في مراكز تجمعات ترمب، خصوصاً في عمق الجنوب الأمريكي، المحافظ تاريخياً، كما أقرّت هيلاري كلينتون بهزيمتها، وبلعت مرارة الخسارة، ولكن مهلاً، فهل هذه هي نهاية الأمر، وهل حقاً فاز ترمب بالرئاسة بشكل رسمي؟! الواقع هو أن الشعب الأمريكي لم يصوّت لترمب مباشرة، بل صوّت، في الثامن من نوفمبر الماضي، لاختيار المندوبين، الذين يمثِّلون الولايات الخمسين، إذ يمثِّل كل ولاية عدد من المندوبين، مماثل لعدد ممثليها في الكونجرس، وهؤلاء المندوبون هم الذين سيصوِّتون فعلياً للفائز بالرئاسة، وذلك يوم الاثنين، الذي يعقب الأربعاء الثاني، من شهر ديسمبر (أي هذا اليوم الذي تقرؤون به هذا المقال، 19 ديسمبر)، وبالتالي فترمب، وحتى اليوم، لا يعتبر فائزاً بالرئاسة، بشكل رسمي، ثم بعد تصويت المندوبين اليوم، ترسل النتائج إلى رئيس مجلس الشيوخ، وهو حالياً نائب الرئيس أوباما، جوزيف بايدن، والذي سيرأس، في يوم السادس من يناير القادم، اجتماعاً للكونجرس بمجلسيه (الشيوخ والنواب)، ثم يقرأ نتائج تصويت المندوبين عليهم، وهذه هي الخطوة الأخيرة، التي يصبح بعدها الرئيس المنتخب جاهزاً لتسنم مهام عمله. المندوبون، والذين يبلغ عددهم 538 مندوباً، هم من يصوّت فعلياً للفائز بالرئاسة، ومع أن العادة جرت أن يصوّتوا تبعاً للتصويت الشعبي، إلا أن بإمكانهم أن يصوّتوا كما يريدون، فنصف الولايات لا يوجد فيها قوانين تلزم المندوبين بالتصويت لمن فاز في يوم الانتخابات. هذا، ولكنه لم يسبق أن حدث ذلك، وحتى في الحالات التي صوّت مندوبون بخلاف المتفق عليه، فإن ذلك لم يؤثّر في نتيجة الانتخابات، وما جعل الحديث يعود مجدداً عن المندوبين، هو أزمة تدخل روسيا في سير الانتخابات الأمريكية، وهو الأمر الذي تؤكّده جميع أجهزة الاستخبارات الأمريكية، فمع أن هناك من يؤكّد أن التدخل الروسي كان لاستعراض العضلات، من قِبل قيصر الكرملين، مستغلاً فترة حمامة السلام أوباما، وتردده، وخفوت الهيبة الأمريكية تبعاً لذلك، إلا أن هناك من له رأي آخر. الديمقراطيون، خصوصاً هيلاري كلينتون وأنصارها، يعتقدون أن تدخل روسيا جاء لصالح دونالد ترمب، وأن دائرة ترمب الجمهورية قد تكون متورطة، وبسبب هذه القناعة، فهم يطالبون بأن يتم إبلاغ المندوبين بهذه التطورات، على أمل أن لا يصوّتوا لترمب، وهذا مطلب صعب، فالتحقيقات في شأن التدخل الروسي ما زالت في بدايتها، وسيكون صعباً أن يثبت للمندوبين أي شيء، من شأنه أن يجعلهم يديرون ظهورهم لترمب، كما أن معظم المندوبين مؤدلجين حزبياً، والمؤدلج لا يؤمن بالحقائق، مهما كانت واضحة، وبالتالي فإن المتوقّع هو أنهم سيصوِّتون اليوم لترمب، ولكن ستظل قضية التدخل الروسي تلقي بظلالها على عهده، ومن يدري، فقد نشهد « ترمب- قيت»، ففي السياسة يصبح كل شيء وارداً، فلنتابع، فالأمر أخطر وأعمق مما توقّع الجميع!