عسير على المرء أن ينتقي كلمات يصف بها ما يختلج في صدره إثر فقد عزيز عليه، وحين تزدحم المشاعر يصعب اختيار الكلمات. قريب وصديق لي عاش حياته بروح أقرب إلى روح طفل، يعشق المرح ويحب الحياة ويبتسم للناس، ويتعامل مع قسوة الحياة بروح الطرفة. لكن له عقل وهمة الرجال جعلته يحفر في الصخر بيديه المجردتين حتى يقيم أسرة وبيتاً ويجلب لهم الشهد، فجلب له هذا الكفاح وعزة النفس احترام كل من عرفه، وحبهم لبساطة نظرته للحياة وكرهه للتكلف والتصنع، وخفة روحه ودعابته الحاضرة. حين يحل قضاء العزيز القدير فليس للمؤمن إلا التسليم لحكم رب العالمين، مع لوعة فراق يأتي فجأة، وإلا فكلنا سائرون في هذا الدرب، والسعيد من ترك أثراً طيباً خلفه، من دعاء ابن صالح، ودعوات صادقة من محبين وعارفين، وعمل طيب ورافد للأسرة وصدقة جارية. يأتي قضاء الله ليذكرنا بحقيقة أمرنا ومعاشنا في هذه الدنيا، لينبهنا من غفلاتنا وأطماعنا ولهاثنا خلف حاجاتنا، ناسين أو غافلين عن أن الرازق والمعز والواهب هو ملك الملوك، وليس قدراتنا أو قوة أبداننا أو مواردنا أياً كانت. رحلت يا أخي وصديقي وأنت كريم يد ونفس، معطاء محب للبذل، صادق مع نفسك وشفاف يكاد يرى ما بداخلك، غير مجامل على حساب الحقيقة آخذاً بمبدأ (قل كلمتك وامش). دوماً تؤكد لمن حولك ومن يعرفك بأنك رجل نلت شهادتك من مدرسة الحياة، وهذه منهجها عملي لا نظري، فتعلمت في دهاليزها أقسى الدروس فعبرتها بروح متوثبة محبة للناس والخير، مثالٌ للكفاح والصبر على تقلبات الزمن فنلت النجاح وحب الناس، ومن ثم دعواتهم لك بالرحمة والمغفرة من رب رحيم كريم. وإن حزت هذه المزايا وهذه الروح المكافحة فليس ذاك بمستغرب وأنت ابن أسرة كريمة منجبة للرجال كبيرة بأفعالها ومكانتها، يشهد لها بذلك القاصي والداني. ندعو من قلوبنا أن تشملك رحمة أرحم الراحمين ويجمعك بوالديك وأهلك وأحبابك في جنات عدن وملك لا يبلى، والحمد لله من قبل ومن بعد وصلى الله وسلم على سيد الخلق أجمعين محمد المختار الأمين.