في ظاهرة نادرة، يعيش الحزب الجمهوري الأمريكي أوقاتاً عصيبة، فالدلائل كلها تشير إلى رغبة الشعب الأمريكي بالتغيير، بعد فترتين رئاسيتين لباراك أوباما، إذ يشعر الكثير من الأمريكيين بأن أوباما دمر سمعة الإمبراطورية الأمريكية، وجعلها لقمة سائغة لخصومها، خصوصا خصمها التقليدي، روسيا، وهذا الشعب الذي يشعر بالاستياء، ينجرف تلقائياً للمرشح الجمهوري، دونالد ترمب، الذي يتصدر المرشحين الجمهوريين بفارق كبير، بعد ست جولات من الانتخابات التمهيدية للحزب، صوتت خلالها نصف الولاياتالأمريكية تقريبا. وبعد انسحاب بعض الأسماء الكبيرة من السباق الجمهوري، مثل جيب بوش، وكريس كريستي، لم يبق من المرشحين الجمهوريين بجانب ترمب، بعد جولة الثلاثاء الماضي، إلا السيناتور من تكساس، تيد كروز، وحاكم ولاية أوهايو، جون كيسك، بعد أن انسحب ابن الحزب المدلل، السيناتور من فلوريدا، ماركو روبيو، الذي خسر في عقر داره، ولاية فلوريدا، من ترمب، وليس هناك ما يشير إلى أن أي من المرشحين سيستطيع اللحاق بترمب، وهنا تكمن مأسأة الحزب الجمهوري. الحزب الجمهوري لا يريد دونالد ترمب، ليس لأنه لا يملك أي تجربة سياسية وحسب، بل لأن المؤسسة الجمهورية تدرك أنه قد يكون خصماً سهلاً للمرشحة الديمقراطية المحتملة، هيلاري كلينتون، وذلك بعد تصريحاته العنصرية، ومواقفه الحادة من الأقليات العرقية والدينية، وما يزيد المأزق الجمهوري سوءاً هو أن هذه التصريحات تروق لأنصار الحزب المحافظين، بدليل أن ترمب يتصدر السباق الجمهوري بفارق كبير، وتشير كل التقارير، وكثير من المعلقين السياسيين، إلى أن المؤسسة الجمهورية استنفدت معظم الإستراتيجيات للإطاحة بترمب، ولم تفلح، وكانت آخر محاولاتها هي الوقوف بقوة خلف النجم الجمهوري الصاعد، السيناتور ماركو روبيو، في الثلاث جولات الأخيرة، ولكنه فشل فشلاً ذريعاً، إذ لم يفز إلا بولاية واحدة، في مقابل فوز ترمب بعدد كبير من الولايات، فما هي الحلول المقترحة للحزب الجمهوري لتفادي ترشيح ترمب للرئاسة؟! هنا نعود إلى ما كتبت عنه كثيرا، بخصوص النظام الديمقراطي الأمريكي، إذ بإمكان الحزب الجمهوري أن يطيح بدونالد ترمب، في مؤتمر الحزب، والذي يتم من خلاله إعلان اسم المرشح الجمهوري للانتخابات الرئاسية رسميا، فالكلمة النهائية في اختيار المرشح هي للمندوبين، وليست للشعب الذي يصوت، وبالتالي فإن بإمكان المندوبين إلغاء فوز ترمب الشعبي، والتصويت لمرشح آخر، ودعونا نضرب مثالاً للتوضيح: لقد صوتت ولاية فلوريدا لدونالد ترمب، ويفترض، لكن لا يجب، أن يصوت مندوبوا الولاية في مؤتمر الحزب لترمب، ذاته، لكن بإمكان هؤلاء المندوبين أن يخالفوا نتائج التصويت الشعبي لولايتهم، ويصوتوا لمرشح آخر، فيما لو اقتضت الضرورة ذلك، ومع أن هذا نادراً ما يحدث، إلا أنه من الممكن أن يحدث هذا العام، فهل، يا ترى، يضطر الحزب الجمهوري للوقوف أمام الرغبة الشعبية، ويحجب ترشيح ترمب، أم يقبل بالواقع، ويغامر بترشيحه؟!، وعلينا أن نتذكر أنه لو تم حجب ترشيح ترمب ضد الإرادة الشعبية، فإن هذا سيحدث شرخا عميقا في الحزب، ويقود إلى احتجاجات واسعة لأنصاره المحافظين، وهذا آخر ما تريده المؤسسة الجمهورية، فلنتابع ونترقب مسيرة هذه الانتخابات المثيرة «جدا»!.