في هذا العام افتقدنا أربعة مؤرخين ذوي باع كبير في الدراسات التاريخية الوطنية والعربية، أولهم أستاذنا الدكتور عبدالله بن يوسف الشبل ثم الدكتور عبدالله الصالح العثيمين ثم الدكتور عايض بن خزام الروقي، وقبل أيام الدكتور عبدالله بن إبراهيم العسكر الذي توفي في حادث سير في الإسكندرية يوم الجمعة 24 شوال 1437ه الموافق 29 يوليو 2016م ودفن بالرياض في اليوم الذي يليه عن عمرٍ يناهز 66 عاماً رحمه الله وأسكنه الفردوس الأعلى وتقبله في الشهداء. بعد عودته للوطن من بعثته لدراسة الدكتوراه بجامعة كاليفورنيا بالولايات المتحدةالأمريكية عام 1406ه عرفته عن قرب بعد عودتي كذلك من دراسة الدكتوراه في بريطانيا عام 1410ه من خلال الصداقة والزمالة التي تربطنا سوياً بمعالي الدكتور فهد السماري ثم زادت العلاقة رسوخًا بعد تعاوننا سوياً في اللجنة العلمية بدارة الملك عبدالعزيز ومصاحبتي للدكتور العسكر في رحلات وزيارات ميدانية لمدن المملكة لصالح أعمال الدارة العلمية ثم في الندوات والملتقيات العلمية داخل وخارج المملكة. وقد كنت أشعر بحميمية الود وروابط الألفة والتناغم بيني وبين الدكتور العسكر، وإن كنت خلالها أسير تقليدية في المنهج والتفكير والأسلوب، وهو على النقيض يتبع منهجية جديدة وطرقاً حديثة في التناول والطرح والتفكير والأسلوب. ومع ذلك جمعتنا كيمياء ودٍّ وصفاء ومحبة قلبية أجدها فيه ويجدها عندي. كانت بعثتي للدكتوراه في بريطانيا قد عززت أسلوبي ومنهجي التقليدي، في حين كان لأمريكا ومناهجها التاريخية الجديدة الأثر الأكبر في بلورة منهجية خاصة في تناول التاريخ لدى الدكتور العسكر تتجلى في المناقشة والتحليل والمقارنة والاستنتاج والإفادة من جميع النصوص المتاحة وإن كانت متناقضة للوصول في النهاية إلى استنتاجات منطقية. وقد عزز من تعميق فلسفته التاريخية تمكنه من اللغة الإنجليزية واطلاعه الواسع على إنتاج مؤرخي الغرب، ومشاركاته الفاعلة في الندوات والمؤتمرات الدولية والعربية والمحلية، مع ما حباه الله من أسلوب جميل وعبارات بليغة وحسن اقتباس كنت شديد الإعجاب بها، فهي تلامس الواقع وتقرب الحقائق وتأسر العقول. لقد أثرى الدكتور العسكر المكتبة التاريخية بترجماته الدقيقة وبمؤلفاته العميقة ومقالاته القيمة، وآرائه التنويرية ومنهجه التاريخي الفريد ما يجعلنا نؤكد أنه كان صاحب مدرسة تاريخية فريدة من بين مؤرخي المملكة العربية السعودية مدرسة تستحق المزيد من التأمل والدراسة والبحث.