أسر عدة تدفع ثمن انغماس الزوج عمله، وعلى الرغم من أن انشغال الرجل في العمل يصب في الأخير في خانة تعزيز حظوظ أسرته من الحياة الاجتماعية الراقية، إلا أنه في المقابل لا ينبغي أن يكون على حساب الصحة النفسية لأسرته. يقول د. محمود عبدالله المتخصص بالعلاقات الزوجية والمشاكل الأسرية ل(الجزيرة): على الرجل أن ينتبه إلى أن الانغماس في العمل واللهاث وراء النجاح والمال ليس كل شيء في الحياة، فقد يأخذ العمل حيزا كبيرا في حياته، لذلك يجب على الرجل أن يسعى لمحاولة التوفيق بين عمله وحياته الأسرية مع الزوجة والأبناء على نحو لا يتأثر معه عمله ولا يهمل أسرته. جفاء وحرمان ويضيف د. عبدالله أن إهمال الزوج لزوجته وأطفاله يؤدي إلى الجفاء والفتور فلابد أن يحرص الزوج على وضع الكثير من الجهد في التعامل خاصة مع زوجته لأن المرأة تميل بطبيعتها إلى الرغبة في الشعور بالحب والاهتمام وإلى سماع كلمات من زوجها تؤكد لها المشاعر الجميلة فذلك يدفعها دائما إلى القدرة على العطاء وبذل الجهد دون الشعور بالتعب أو دون مقابل حتى أنها قد تكتفي فقط بالكلمة الطيبة التي تهون عليها مصاعب الحياة. حتى لا تنهار الأسرة ويشير د.عبدالله إلى أن هناك عدة أمور يجب تجنبها حتى لا يكون عمل الرجل سببا في انهيار الحياة الزوجية وخسارة أطفاله منها: طول الغياب عن المنزل وقضاء وقت طويل في العمل؛ ما قد يؤدي إلى فتور العلاقة بين الرجل وأهل بيته، ومن الممكن أن يتسبب ذلك في الانفصال، وينصح د. عبد الله بتخصيص الرجل وقتا لقضائه مع الأسرة للتفاعل ومشاركة الفعاليات والمسؤوليات معهم. كما يوصي بعدم إحضار العمل إلى المنزل «وهي من الأخطاء الشائعة أيضا حيث إنه عادة تخلق مشاكل وجفاء على المدى البعيد؛ ما يؤدي إلى الشقاق»، ويؤكد د. عبدالله أهمية أن يتجنب الرجل بالقيام بأي عمل إضافي أثناء وجوده في المنزل وأن يكرّس الوقت لقضائه مع زوجته وعائلته وإعطائهم اهتماما كاملا. أيضاً يحذر د. عبدالله من تجاهل المناسبات الأسرية المهمة والخاصة مثل عيد الزواج أو عيد ميلاد الزوجة «فهذا يدق مسمارا آخر في نعش الحياة الزوجية ويولد الشعور عند الزوجة بعدم الاهتمام وأنها مجرد شخص يؤدي الاحتياجات الأساسية دون مراعاة لأحاسيسها». يحذر د. عبدالله كذلك من غياب الزوج عن أسرته ساعات طويلة وتفضيل العمل وقضاء الوقت بالتواصل مع زملاء العمل حتى في أثناء وجوده في المنزل «يعتبر هذا مؤشرا خطيرا على استقرار الحياة الأسرية ما قد يؤدي إلى انعدام التواصل داخل الأسرة ويعطي الزوجة الشعور بعدم الثقة مع تحليل وتفسير كل ما يفعله الزوج تفسيرا خاطئا الأمر الذي يخلق في مخيلة الزوجة حالات من الشك واهتزاز الثقة بالزوج». ويضيف د. عبدالله أن كثرة العمل تسبب الشعور بالتوتر والإرهاق ومن ثم الغضب عند الرجال، «وفي هذه الحالة ننصح بضرورة الابتعاد عن المنزل لمدة قصيرة أثناء فترة الغضب لكي لا تؤثر تلك المشاعر سلبا على علاقة الزوج بأسرته وتشوش على علاقته بأطفاله». ويؤكد د. عبدالله أن «بعض الأزواج ينشغلون بالعمل والرغبة الملحة في النجاح إلى أن تتحول حياتهم الأسرية إلى دوامة من المشاكل والضغوط التي تصل بهم في نهاية المطاف إلى انهيار الحياة والطلاق». المرأة أيضاً مسؤولة وفي ظل انتشار عمل المرأة على نطاق واسع، فقد تصبح المرأة أيضاً في مرمى الانتقادات نفسها، فبعد سنوات طويلة من دعم عمل المرأة خارج المنزل، وتحوّل المجتمعات الغربية لمجتمعات مادية على حساب الحياة الأسرية السليمة، بدأت العديد من التقارير الغربية تذكّر بأهمية الحياة الأسرية التي خسرت الكثير من مكانتها بسبب الحياة المادية الغربية. إذ حذر تقرير بريطاني، من أن عمل المرأة خارج بيتها ساهم في تفكك الأسرة التقليدية, وتسبب في إلحاق أضرار عاطفية بجيل كامل من الأطفال. وينتقد التقرير الآباء الذين يقضون الساعات الطوال في العمل ويعتمدون على المربين والمربيات لرعاية أطفالهم في البيوت. ونقلت صحيفة بريطانية وصف ارتفاع أعداد الأمهات العائدات إلى العمل -فيما لم تبلغ أعمار أطفالهن عاما واحدا- بأنه تحول اجتماعي «هائل», ويعزو السبب في التفكك الأسري إلى أن النساء أصبحن أقل اعتمادا على أزواجهن. ويؤكد التقرير -الذي أعده الأكاديميان لورد لايارد وبروفيسور جودي دان لصالح إحدى جمعية الأطفال أن الصداقة تدنت منزلتها عند الشباب حيث يقضي ما يعرف ب»جيل الفيس بوك» وقتا أمام شاشة الكمبيوتر أطول من اللعب في الخارج. واقتبست الصحيفة مقتطفات من التقرير جاء في بعضها أنه «مقارنة بقرن من الزمان مضى, فإن ثمة تغييرين يبرزان على السطح: أولهما أن معظم النساء يعملن حاليا خارج بيوتهن ويحترفن مهنا بجانب كونهن أمهات». ويقول مقتطف آخر: «إن 70% من أمهات أطفال تتراوح أعمارهم بين تسعة و12 عاما يؤدين حاليا أعمالا مدفوعة الأجر, بالمقارنة مع 25% فقط قبل 25 عاما، وهو ما يعد تحولا هائلا في نمط الحياة. وفي ذات الوقت فإن أشخاصا آخرين غير الأبوين هم من يتولون رعاية الأطفال». أما التغير الثاني فيكمن -كما يقول التقرير- في الارتفاع الحاد في حالات انهيار الزيجات في العقود الأخيرة. ويردف التقرير قائلا في هذا الصدد: «إن الاستقلال الاقتصادي للنساء مؤخرا هو الذي يفضي إلى هذا الارتفاع».