فيما كانت الصحيفة هذا الصباح تتثاءب ضجرةً بهمومها، عيونها ملأى بالحزن.. ودموعها على شُطآن العالم تتكور على هيئة آدمية فُقدت. . يهتزّ جنح صفحتها الأدنى. . توشك أن تغمِسه في فنجان قهوتي. . تحاول أن تمتص شيئاً من الصحو المزيف. . من الأمل «الأسود»! كانت تجتاحني تساؤلات. . عن لغز تحتويه هذه الوريقات الصماء والذي لا تنضب دهشته. . عن الحياة. . عن الانتماء. . عن الحب. . عن الولاء. . عما الذي نعرفه عن سطوة تلك السطور الورقية والافتراضية . وهل فعلاً نعرف حدودنا. . أولوياتنا. . أهدافنا. . ومواقع خذلاننا وخذلان من حولنا؟ هل نعي بوضوح مدى تأثيرنا وعُمقه وبُعده على الآخر ؟ تأثيرنا هذا الذي نبصِمه على جدران الآخرين. . ونتركه ليجف دون أن نُلقي بالاً لموقعه. . ! هل نستوعب جبروت «الكلمة» المجنونة التي تقوض اعتقادات وتُزعزع إيماناً راسخا؟ هل نؤمن بقدرة «الكلمة» الرزينة على ترسيخ حضارة ورتق وشائج إنسانية تكاد تتشظى؟ هل ننتقي بحذر ما نقول. . ما نكتب. . ما ننقل وما نُقيِّم ؟ أم أن الهدف الأوحد هو تسجيل نقطة. . و«حشر» موقف في زخم الأخبار سواء الغثة أو السمينة. . مُمتطين صهوة جموح «التواصل» حتى وإن لم يقدم أو يؤخر هذا الموقف. . !؟ هل هو سعي دءوب ممن لا «يمتهنون» مهنة الكتابة للمشاركة في الحراك - وربما الضجيج- الاجتماعي بغض النظر عن عمق أو سطحية هذا الحراك وتأثيره في تركيبة المجتمع !؟ وهل نتقمص - بسهولة- قناعات كل من يدلو بدلو ولو في بئرٍ جاف. . ممن يحمل قلما أو ينقر على لوحة مفاتيح. . هل نسمح لمنجل الحرف أن يجتزّ كل فكرة دون أن نحاول أن نفهم حقيقة إبعادها وما يمكن أن تُضفيه من إبداع الاختلاف؟ وهل نترك شِراك السطور تقتنص إنسانية الآخر لمجرد أنه لم يتبنَّ «شراستنا» في الدفاع عن منطق «قطيعٍ» ما؟ يقول مصطفى محمود : «أخطر أسلحة القرن العشرين والاختراع رقم واحد الذي غير مسار التاريخ هو جهاز الإعلام. . الكلمة , الإزميل الذي يشكل العقول. . أنهار الصحف التي تغسل عقول القراء. . اللافتات واليُفط والشعارات التي تقود المظاهرات. . التلفزيون الذي يفرغ نفوس المشاهدين من محتوياتها ثم يعود فيملؤها من جديد بكل ما هو خفيف وتافه»! الكلمة هذه العصاة السحرية قليلٌ من يستشعر عُمق فعلها. . إلاّ من رحم ربي.