المثل الشعبي يقول: (على الماء وانزلوا) سواء كان ذلك أنهاراً أو بحاراً المهم أن يكون هناك مصدر للرزق، والمثل الآخر يقول: (أرخص موجود وأغلى مفقود) والحياة مرهونة بوجود الماء وليس هناك شيء أثمن من الحياة وأكسيرها هو الماء. ولو استعرضنا التاريخ لوجدنا أن معظم أحداثه تنصب على توفر وعدم هذه النعمة. قامت دولة وخسرت أخرى بسببه، ومنذ تاريخ البشرية إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها والماء قضية البشر، وبمجرد أن يطمئن الناس على توفره ويصبح موجوداً بسهولة، ينسى الناس هذه الأهمية حتى يصبح من البساطة كما يقول أحدهم (زي الماء!) دليل السهولة وعدم الاكتراث، وأنا عندما أستشهد بالأمثال العامية لكي تصل الفكرة إلى القارئ الكريم، والذي لم أشترط أن يكون أستاذاً في جامعة أو صاحب ثقافة عالية، فهؤلاء لديهم المعرفة والقدرة على الوصول إلى المعرفة، المهم أن تصل الفكرة للقارئ الكريم بأي أسلوب فمعذرة لهؤلاء وهؤلاء. هذه المملكة حباها الله سبحانه وتعالى بنعم كثيرة ونحن نعيشها اليوم وننعم بها، ولربما أنه ينقصنا نوع من التثقيف العاجل، وأقول العاجل لأنّ المواطن اليوم يريد كل شيء بسرعة، فليس لديه الوقت أو هو لا يريد أن يكون لديه الوقت للدراسة والتمعُّن أو حتى للاستماع والرؤية والقراءة إلا بشكل سريع.. فلنتجاوب مع نفسيته ولنتماشى مع هذا السلوك إلى أن تصل الثقافة إلى المستوى المنشود. لدينا وسائل نقل المعلومات متوفرة من إعلام ووسائل اتصال وصحافة وتلفاز ومدارس وجامعات، وأصبح هناك فن التمثيل وفن أفلام الكرتون، وهناك الوقت الضائع والذي قد يطول لمدة نصف ساعة أو أكثر في عرض إعلانات السلع، كم تمنيت أن يأخذ الماء جزءاً من هذا الحيز، فهو أهم ولا تقارن مطلقاً هذه الأهمية بالإعلانات التي هدفها بالدرجة الأولى (المادة) سواء للمنتجين أو للناشرين! يقول أحد مشايخنا عندما سئل بعد سفره من قريته إلى الرياض قبل ستين سنة وأعجبه الوضع والإقامة بالرياض، لماذا تأخرت بالرياض قال: (.. كيف أترك بلداً إذا وضعت يدي على الجدار صب.. وشب.. وهب)!. (صنبور الماء + الكهرباء + المروحة).. لنتذكر تاريخنا عندما كنا نجلب الماء (بالقِرَب) و (التنك) والمقابل الذي ندفعه (للمروّي) وقتها كانت (القِرْبة) تكفي الأُسرة ليوم كامل واليوم القربة عساها أن تكفي لتنظيف الأسنان أو حلاقة الوجه! قد لا يعجب هذا الاستطراد البعض وأنني أذكرهم بعصر قد مضى مع أهله.. ولكن هذا تاريخنا ومنه نستقي العبر، وندعو العزيز الكريم أن لا نضطر للعودة إليه مادمنا لا نهتم بالاستهلاك العشوائي للمياه، فلسنا على أنهار والماء الذي توفره الدولة لم يأت إلا بعد جهد ومال لكي يستغل على الوجه الصحيح. وحقيقة تدركها حتى الدول التي تقع على أنهار عظيمة تجعل نصب أعينها أهمية الاستهلاك المعتدل، وتضع الدراسات والتسعيرات لتحقيق هذا الهدف. واليوم علينا واجب وطني، بصرف النظر عن أي مؤثرات أخرى، أن نثق بأنّ هذه المشاريع أُنشئت من أجلنا، وأنّ فائدتها لنا وحدنا وأي استخدام غير صحيح ضرره علينا وحدنا! وأن نجعل ثقافة ترشيد استهلاك المياه ضمن مناهجنا الدراسية وضمن ثقافة منازلنا وأطفالنا ومن يعمل بالبيت من خدم وسائقين، وأن نعيد موازين استخدامات المياه لبعض الأعمال الزراعية والصناعية، وليكن شعارنا (الماء أغلى موجود).