حينما أجريت حواري مع المستشرقة الألمانية، الدكتورة ليزلي ترامونتيني، (في صحيفة الجزيرة، العدد 15864، 25 جمادى الأول 1437)، اعتبرت أن الأدب في الخليج خارطة بيضاء، القليل من يقرأ أو يعرف عن هذا الأدب في العالم الغربي، ورأت أننا دول غنية، يجب أن تبذل المزيد لترجمة الأعمال الأدبية وتقديمها للعالم. وبعد الحوار أهدتني كتابها؛ في مجلدين؛ عنوانه: ( أعلام الأدب العربي المعاصر، سير وسير ذاتية ). المعجم صدر عام 2013 من المعهد الألماني للدراسات الشرقية في بيروت، والمطبوع على نفقة وزارة الثقافة الألمانية، إلا أنها لم تغط إلا الأدباء العرب في النصف الثاني من القرن العشرين. أرسلت هيئة التحرير للأدباء هذه الرسالة: ( ارو قصة حياتك بأسلوبك الشخصي، ولا تستعمل هذه الصفحات إلا للنسخة النهائية المبيّضة، على ألا يتجاوز المقال الألف كلمة )، غلاف المعجم الذي كُتبت عليه هذه العبارة، بالإضافة إلى بعض رسائل الأدباء بخطوطهم المختلفة، لذلك بدا الغلاف دافئًا ورقيقًا. ولهذا السبب يختلف المعجم عن بقية الموسوعات التقليدية، حيث يكتب الكاتب سيرته الذاتية كما يراها، وليس مجرد جمع بيانات ومعلومات بطريقة تقليدية، فهيئة التحرير ترى أن السير الذاتية تعكس ساحة الأدب العربي المعاصر، بكل مافيها من حيوية وتنوع وغنى بطريقة أدبية، وهو ما يضفي لهذا الكتاب طابعًا فريدًا. المعجم يحتوي سيرة 386 مؤلفًا، مدخل موجز عن حياة الكاتب، ثقافته، سيرته الأدبية بقلمه، مؤلفاته، ما كُتب عن المؤلف من مقالات أو مقابلات. بحثت في المعجم عن الأدباء السعوديين، ولم أجد إلا سيرة ثمانية أدباء من بين 386 أديبًا عربيًا. وهم حسين علي حسين، علي الدميني، يحيى الساعاتي، أحمد السباعي، محمد حسن عوّاد، محمد حسن الفقي، الأمير عبدالله الفيصل، حسن عبدالله القرشي. لهذا أتساءل عن سبب غياب أسماء سعودية أخرى هامة ومؤثرة. استمتعت بفكرة أن السيرة يكتبها صاحبها، شدتني السيرة الذاتية الموجزة التي كتبها عبدالرحمن منيف، وكيف أن حياة أبيه المتنقلة، على طريقة الكثيرين من عرب نجد، الذين تركوا موطنهم الأصلي، بحثًا عن الرزق. يقول عن أبيه : ( وصل في رحلته الأولى إلى العراق وسورية، وبعد شهور طويلة امتدت أكثر من سنة، عاد إلى نجد، وبعد أن استراح قليلا شدّ رحاله وبدأ من جديد، وفي كل رحلة جديدة يصل إلى أماكن أبعد، ويقيم فترات أطول، لكنّ الحنين إلى نجد لم يفارقه )، ثم يستطرد ( في نفس اليوم الذي وقع فيه أول امتياز بترولي بين العربية السعودية والشركات الأمريكية، وبعد أن لم يعد أبي قادرًا على البقاء أكثر في دمشق ارتحل من جديد، لأولد بعد شهور قليلة من رحيله، في عمّان. كان ينوي أن يقيم فترة قصيرة في عمّان، وبعد أن يستريح يواصل سفره إلى نجد ليستقر هناك، ولكن الأسرة أصبحت ثقيلة الحركة، مما اضطرها أن تقضي وقتًا طويلا في الاستعداد لمواصلة السفر، وخلال هذا الوقت مرض أبي وما لبث أن مات. مما أدى إلى تغير كبير، بما في ذلك ضرورة البقاء في عمّان فترة من الزمن). حينما قرأت ما كتبه الأديب منيف، تساءلت.. ماذا لو لم تصعب ظروفهم؟ لو واصل الأب رحلته بلا مرض؟ هل كنا سنعرف عبدالرحمن منيف بوجه آخر؟ هل ستتخذ مسيرته الأدبية منحى آخر؟ إنّ السيرة الذاتية تكشف تفاصيل الحياة الصغيرة التي كوّنت الكاتب، المنعطفات في حياته التي لولاها لكان يسير في طريق آخر.