«حين أموت، سأستمر بسماع ارتجافة فستانك في الريح». خوان جيلمان لماذا أنحاز اليوم للناي وحده؟ ولم لا أغني واكتب عن العود مثلاً.. الكمنجات كما يفعل الشعراء او حتى الدف والزير المعمدين بالنار وقسوة الأصابع وشجن العازفين؟ لكنني لا افعل لأنها كلها (في ظني) الصوت المستعار.. الصدى العائد.. والمراسيل الخائبة، وكلها استعارات وتمثَل للحزن والفرح.. وللناس والحضور ولكنها ليست الحقيقة. والناي وحده الهامس في أذن الريح والوحيد المباح له التبليغ.. الناي وحده تلاوة المتصوف.. رفيق الرعيان وأبلغ ما يتوسل به العشاق. ووحده الناي يخلق الصوت من الفراغ وللفراغ ولا يتوسل العون إلا من أنَة المجروح. والناي لا يبوح الا عبر القبلات وحتى وهو المثقوب عنيد بما يكفي ليكسر مرتين لكنه لا ينطق، ويقبل ان يعود قصبا مرة أخرى.. تثقبه النار وحتى تصفَر عبره الريح لكنه لن يهمس إن لم تمسسه الرجفة وحيث ينسكب خمر الروح وينداح غناء في الفلوات. الناي افتضاح العتبى.. صلاة المضنى حين يخذله المعنى.. والناي هتك المحجوب ويعصى مس النار ودوزنة الأوتار.. والناي مثقوب متفرد.. مسكون بالمس وننفخ فيه فتقوم قيامة ونحضر ونستغفر عن عصيان لم نفعل ، ومطرود يا ناي القلب.. مطرود من يعصاك وبأي وجه يلقى الله؟ والناي هو أنت هو انا هو نحن وهو كل الموجوعين. وأنت لها الناي.. أنت لها المبذول طواعية أنت الدفتر وهي التوقيع.. وأصابعها تتنقل من تجويف نحو الآخر تكتبك شطراً شطراً, تفعل ذلك بعد ان تثقب قلبك وتنفخ فيه الروح فينوح وهي تلذذ وتعيد التوقيع ولا تتعب ومحظوظ جداً من كان القيثارة ويقيم ما بين العنق وتلال المبذول ومن كان يقرأ كل المعنى ويستأمن.. ولا ينسى. أوعرفت الآن لماذا صوت الناي هو الأقرب؟ هو صوتي.. وهو أيضاً صوتك انت.. نبضك..انفاسك وتواقيع أناملها والويل لك وانت قيثارة أصابعها والويل لك أكثر إن كنت المنفي والويل لك إن كنت المهجور. ويا ناي.. يا سر القصب والغابة.. كيف جمعت من هذا اللاشيء كل الأشياء.. وكيف بقيت وأنت المضنى عون المضنى.. وقلي يا ناي أين تخبأ كل الحزن لوحدك.. وكيف تستر كل الوجع الهائل ولا تتعب حتى تسلمه للريح.