الاقتصادية - السعودية .. أستحضِرُ هذا المشهدَ، وقرأته بكتابٍ إنجليزي عن قصة اثنين من الديانة المسيحية: وتُروَى بضمير المتكلم لأحد أبطال القصة: "كنت في ليلة أسير بجانب جسرٍ عال، ورأيت رجلاً يقف على حافة قضبان الجسر عازما على القفز لينتحر، ففزعتُ وجريت نحوه صارخاً: - لا تقفز يا أخي انتظر. فرد الشخص فوق الجسر- لا أحد يحبني في هذا العالم، لذا فلابد أن أنتحر! - ولكن الله يحبك، فهل أنت مؤمن؟ - نعم أنا مسيحي. - أنا مسيحي مثلك. - من أي الطائفتين المسيحيتين أنت؟ الكاثوليكية أم البروتستانية؟ - أنا بروتستاني. - وأنا مثلك بروتستاني. - وهل أنت من البروتستانت المعمَّدين (البابتست)؟ - نعم أنا منهم؟ - وأنا أيضا مثلك يا أخي من المعمّدين، فلا تقفز سألتك بإخوتنا الدينية الواحدة. ولكن.. على فكرة هل أنتَ من المعمَّدين الشماليين أم من المعمَّدين الجنوبيين؟ - أنا من المعمَّدين الجنوبيين؟ ولما عرفت أنه من المعمَّدين الجنوبيين، وأنا من المعمَّدين الشماليين، دفعته بقوة بنفسي من فوق الجسر وصرخت به: "إذهب للجحيم أيها الكافر". الحكاية تحكي بمشهد فاقع عن واقع المسيحية التي انحرفت، وأدخل عليها الرومان ما شاؤوا من وثنياتهم حتى تسوغ النصرانية لمذاقهم، ثم ظهور الأناجيل المتعددة باسم حواريي عيسى - عليه السلام -.. وبعده تقسّمت المسيحية شظايا، وليست أقساما فقط، فصاروا ينسبون أنفسهم لمؤتمرات وكنائس من قسمِ من قسمٍ من الطائفة الواحدة، فلو أكملنا المشهد السابق بذات التدرج لوصلنا لمؤتمر الشماليين المحافظين، إلى ذات المؤتمر مقسما حتى على المدن.. بل حتى مجموعات التراتيل في كل كنيسة. هذا ما جعل مفكري الغرب منذ القرن السابع عشر يفكرون فعلا في الخلوص من هذه الأغلال الانقسامية الدينية التي أورثت الحروبَ، وتوصلوا للدول المدنية التي تفصل الدين عن الدولة. الإسلامُ لا يقبل الانقسامَ في روحه ونصِّه، لأنه في قرآن محفوظ، وأسانيد الحديث تكاد تصل لصفاء كبير تعفي فكرة التقسم من أصلها. المساحة ضيقة وإلا لأدرجت أقوال مؤرخين وثيولوجيين وسياسيين ومفكرين غربيين يقولون ذلك بلا تردد. ولكن.. هناك من يلبس عباءة الإسلام ليبرر المصالحَ والفظائع. فمن يحب المالَ وجمعه برره تحت عباءته هو ومصالحه هو. ومن برّر قوةً وتسلطا فهذا تحت عباءته هو وولعه هو الشخصي بالتسلط. ومن قتل وتعمد التفنن في القتل وبرر ذلك بالدين فهو لم يلبس إلا عباءته هو وتوحشه وساديته ولذته في تعذيب وقتل الآخرين الذين لا حول لهم ولا قوة. عباءتُنا الإسلام الذي أنزله الله تعالى على محمد - صلى الله عليه وسلم. الدينُ الذي أنار الدنيا علماً وحكمةً وهدايةً وسماحةً ومحبة. العباءة التي يلبسها المسلمون بكل بقعة على المسكونة، الذين يؤمنون بالله ربّاً لا شريك له، ومحمد نبياً وخاتم الأنبياء. ويؤمنون يقينا بالقرآن كتابا مشرّفا من الله، وأنه رُقيٌّ للروح، ومنهاجٌ لحياة العدل والمحبة.. للعالمين أجمعين.