مع ثورة الهواتف النقالة المعززة بكاميرات مدمجة ظن كثيرون أن عصر التصوير الفوتوغرافي يقترب من النهاية وعلى المصورين المحترفين أن يبحثوا عن أعمال أخرى وأن تذهب عدساتهم الأثيرة إلى المتاحف مثخنة بالذكريات وبعض حكايات الوجوه والأمكنة. تطورت الكاميرات المدمجة في الهواتف الذكية ولم يحدث شيء مما سبق. استوعب كثيرون قيمة اللقطة، وزاوية الرؤية، ودور العدسة في إبقاء اللحظة السعيدة زاداً لرحلة عمر وبهجة مشاركة وتزايد ذلك مع بزوغ أنجم مواقع التواصل الاجتماعي التي تشكّل فيها الصورة نسبة عالية تفوق أداء الكلمة وتنتصر عليها أحياناً، وتبعاً لذلك زاد الوعي بفن التصوير الفوتوغرافي، ونشأ جيل جديد من عشاقه، وانتعش سوق بيع الكاميرات الاحترافية بحثاً عن تقنيات وإمكانيات لا تتيحها العدسات المدمجة. عمر التصوير الضوئي في العالم ليس طويلاً، وهو كذلك في ساحتنا المحلية، ولعل أهم ما تحتفظ به الكتب لقطات نادرة لمستشرقين ورحالة في مطلع القرن التاسع عشر الميلادي، وقبل أربعة عقود تقريباً لمعت أسماء في المجال كان لها دور مهم في توثيق ملامح البلاد بشكل إبداعي واحترافي في آن واحد مثل حامد شلبي، وخالد خضر، ثم عيسى عنقاوي وصالح العزاز وسعود محجوب، والأخيران منحا التصوير إبداعاً خاصاً وتجريباً فريداً يمزج بين الواقع والرؤية التشكيلية. كان التصوير جزءاً من مكونات الدرس في معهد التربية الفنية بالرياض، كما يروي البعض، وخصصت له المؤسسة العامة للتعليم المهني أقساماً رفدت المؤسسات الإعلامية المحلية بكوادر متخصصة في التصوير الصحافي، وقدمت جمعيات الثقافة والفنون دورات متقطعة للهواة، لكن أهم مظلة ونطاق مؤسسي تمثّل في تأسيس بيت الفوتوغرافيين في جدة قبل ثلاثة عقود بدعم من المهندس الفنان محمد سعيد فارسي أمين جدة الأسبق، ثم تهالك «بيت الفوتوغرافيين» بفعل صراعاتهم، وبحثهم عن مكاسب صغيرة وعابرة، وسوء إدارة مجريات العمل كما تقتضي أدبيات المنظمات والمؤسسات المدنية الثقافية. واليوم نشاهد حركة نشطة في مجال التصوير الفوتوغرافي ربما كان للهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني دور واضح في ذلك، وقبل سنوات قليلة صدر ألبوم «المملكة بعدسات شبابها» وقد كان عملاً جماعياً فريداً لشباب احترفوا التصوير الضوئي فقدموا لقطات نادرة وغير تقليدية بتقنيات مبهرة، ولا أدري هل صحب هذا الإصدار معرض متنقل، وهل لجمعية الثقافة والفنون دور في دعمهم ومنحهم مظلة نظامية مؤسسية تعزز الاحتراف، وتقدم التسهيلات، وتنشئ صالات العرض وتدعو إليها، وتفتح أفقاً خارجياً لتحقيق المشاركات العربية والدولية؟، ولا أظن ذلك يتأتى عبر جهد فردي، ولا أتخيل جمعية الثقافة والفنون جديرة باسمها إن لم تؤد هذه الأدوار. الهيئة العامة للسياحة تقف خلف مهرجان «ألوان السعودية» ووعدت بتحويله إلى مؤسسة وطنية لرعاية المواهب، وفي الشرقية كانت مجموعة «ون بيك» تقدم قبل أيام معرضاً لصور فنية حظيت بإقبال واضح، وفي جيزان درّب الفوتوغرافي المعروف عبد الرحمن الحسني جيلاً جديداً من الهواة هناك؛ وفي كل ذلك تعزيز لقيم الجمال وإعلاء لحب الحياة وإفشاء لأعراف التسامح في زمن يدفع العالم فيه ثمناً باهظاً نتيجة إهمال بعض المؤسسات الثقافية والتعليمية للفنون وتنميتها ورعاية الموهوبين فيها، ولا أظن إنساناً تستظل حياته بالفن بكل معطياته سيجد حب التدمير والقتل والإفساد طريقاً إلى روحه أو عقله. قد تكون الأموال والتنظيمات الإدارية في مجالات رعاية الفن والإبداع والثقافة أقل من الأموال وهدر الطاقات التي تضيعها المجتمعات في استصلاح الآبقين وكارهي الإنسانية والضوء الذين تقدمهم مجتمعات تهمل الفنون وتغفل عنها، وتتآمر ضدها، ونحن نفعل شيئاً من ذلك دون قصد وبإصرار أحياناً!.