عيناه في شراك الألوان، ولفرط ارتكازهما في تماوجها تمتد يدها لتعيده إلى محاولة النظر في عينيها. تزداد عيونهما بريقاً وشوقاً.. يختلج قلبها. تعيده إلى موازاة وجهها، يقوس يديه يختلج بأنه، وتحمر أوداجه الصغيرة.. تلقمه الثدي ليخف اتساع حدقتيه.. يتراخى في حضنها، ليرفرف قلبها، فتبدأ له الغناء الودود الخافت. ثغره الوادع يفتر ابتسامة لا يأبه بالزمن أو المكان طالما أن يدا الأم تمايل مهده.. فبواحدة تهدهده، وبسبابة الأخرى ترسم في انطباق شفتيها إمارات الصمت لمن حول مهده المتهادي. وحينما كف الطفل عن شغب بكائه وتململه في المهد الوثير التفت إلى طفلها الآخر في الأرجوحة المعدة بعناية لذلك الطفل الملل، يتهادى فيها بلا وجل، إذ لا يعبأ بأخطار العلو في شاهقها المحدق. يرى الشقي في سموق علوه أقرانه الصغار وقد احتالوا في الحضيض إلى كائنات متناهية الصغر، لكنه حينما يهبط يصاب بالدوار لفرط لهو مفرط. ما لبثت الأم إلا أن عادت متأملة ملامح طفلها الصغير الذي تهدهده اليدان لقارب النوم كأنك ترى من فوق أجفانه رفرفة طيور بيضاء ساعة الجدار بطرقاتها الجنائزية غالباً ما توقظ هذه المرأة الممددة على حافة السرير على مشارف السابعة، موعد إطعام عصفوريها. الساعة لم تف بوعود حضور صوتها الرتيب، لتمنح المرأة سحبة نوم حتى الثانية، لتفيق أكثر فالاً وتهرع إلى عصفوريها بود يشبه الاعتذار.