ففي الآونة الأخيرة من هذا الزمن توالت رياح الحزن المتواصلة على مهج قلوب أسرة المشعل بمحافظة حريملاء والرياض وأصدقائهم ومعارفهم..، لفقد الكثير منهم الذي نيف على عدد عشرة من آباء وإخوة رحلوا عنا إلى الدار الآخرة الواحد تلو الآخر: - رحمهم الله- وهذه من سنن الله في خلقه حياة فموت، ثم بعث ليوم الحساب يوم يُحَصلّ ما في الصدور ويجازى كل بما عمل، فالسعيد كل السعادة من يرحل بزاد من التقى، فبينما كنت مُنسجما في حديث مع أحد أبنائي إذا برسالة عاجلة تهز جهاز هاتفه المحمول تحمل نبأ وفاة خاله الشيخ الفاضل علي بن عبدالرحمن المشعل - أبو فيصل- الحبيب إلى قلوبنا، وكان لهذا النبأ المحزن المفاجئ برحيله وقع مؤلم وموجع لقلبي، وقلوب أبنائي وبناتي أبناء شقيقته نورة زوجتي أم محمد -رحمهما الله- وقد تعطلت لغة الكلام بيننا لحظات لشدة هول مصيبتنا في رحيله، حيث صعدت روحه الطاهرة إلى بارئها مباشرة بعد ما تشهد وأدى صلاة عصر يوم الجمعة في 5-7-1436ه وهذا من بشائر الخير له -بإذن الله- مُختتما آخر كلامه من الدنيا بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولقد نشأ في طاعة الله محبوبا لدى أسرته ومعارفه حافظا لكلام الله في سن مبكرة، وأديت عليه صلاة الميت بعد صلاة عصر يوم السبت 6-7-1436ه بجامع الملك خالد بأم الحمام، وقد شهد المسجد عددا كثيرا من المصلين عليه رجالا ونساء، ثم حمل إلى مهوى رأسه في محافظة حريملاء ووري الثرى بمقبرة - صفيه - مجاورا لقبر شقيقه الشيخ الحبيب مشعل الذي سبقه منذ أكثر من شهرين -رحمهما الله-: وقد ولد الشيخ علي في حريملاء -رحمه الله-، وعاش طفولته مع إخوته ومع أبناء عمه، وجيرانهم..، في حيهم المسمى ب(سوق المشاعله) يقضون جُلّ أوقاتهم كأمثالهم الصغار في لهو ومرح ومزاولة لبعض هواياتهم كالسباحة وتسلق صغار النخيل، وغير ذلك من وسائل الترفيه، مما اكسبهم صحة في الأجسام وصفاء في الأذهان، فالعقل السليم في الجسم الصحيح -كما يقال-، ثم أخذ في سن مبكرة يحضر مع شقيقه الشيخ مشعل لدى شيخنا (المطوع) محمد بن فهد المقرن مدرس القرآن الكريم بمسجد حي (الشهواني) وأحيانا في أرض فضاء مجاورة له على مقاعد طينية في ذاك الزمن البعيد..، وحضور الشيخ علي معنا كمستمع لصغر سنه، ولتعلقه بمصاحبة أخويه مشعل، وصالح -رحمهم الله-، وعندما افتتح المعهد العلمي بالرياض عام 1371ه التحق بالصفوف الأولية مواصلا دراسته بالمرحلة الثانوية، وبكلية الشريعة حتى حصل على الشهادة العالية بها عام 1393ه، بكل تفوق وتقدير، ولم يعقه فقد نعمة البصر عن المشاركة في الأنشطة الثقافية والشعرية بنادي المعهد وكليتي الشريعة واللغة العربية الذي كان يقام في أواخر الأسبوع في غالب الأيام، فهو يجيد المساجلات الشعرية التي تشد الحضور مع منافسيه في تلك الأمسيات الجميلة التي يحضرها الرئيس العام للمعاهد والكليات فضيلة الشيخ عبداللطيف بن إبراهيم آل الشيخ - بعد رحيل سماحة المفتي محمد بن إبراهيم آل الشيخ- ونخبة من العلماء والأدباء، وكان -أبو فيصل- يحفظ ويملك مخزونا من جيد القصائد المنتقاة والشواهد الشعرية: مع العلم أن الساحة الشعرية الآن لا تخلو من أدباء وشعراء كُثرُ يُضارعون الشعر القديم..، وبعدما أنهى دراسته الجامعية -كما أسلفنا آنفا- عين مدرسا بالمنطقة الشرقية بمدينة الخبر الجميلة، مع تعيينه إماما وخطيبا بجامع القصيبي الواقع على مقربة من قصر الملك خالد -رحمه الله- وقد صلى معه ثلاث جمع فأعجب به على ثبت جنانه وفصاحته..، وقد عاش -أبو فيصل- فترة جميلة محبوبا ومكرما بين الكثير من الوجهاء والكرماء وموظفي الدولة أمثال: الشيخ الكريم حمد بن علي المبارك رئيس المالية وأمينا عاما للجمارك بالمنطقة الشرقية، والأستاذ الفاضل عبدالله بن محمد أبا عود مدير عام تعليم البنات بالمنطقة، والأخ الكريم عبدالرحمن الدهمش -أبو حمد- ورجل الأعمال العزيز عبدالله بن عبدالرحمن المهوس، وعدد من أسرة القصيبي، وغيرهم من الفضلاء..، وقد قمنا بزيارة له عام 1396ه، بصحبة شقيقه سليمان وشقيقته أم محمد -رحمهما الله جميعا- وأبنائي وبناتي، فقام بإكرامنا مدة إقامتنا لديه وهذا لا يستغرب عليه ولا على أمثاله من الكرماء، وقد ظلت تلك الزيارة المباركة ذكرى خالدة في نفوسنا -تغمده المولى بواسع رحمته- ولقد مكث في مدينة الخبر عدداً من السنين يؤمه الكثير من الأقارب والأحبة في مواسم الإجازات، ثم انتقل إلى الرياض عام 1400ه واستمر يعمل في حقل التدريس لتعليم البنات حتى تقاعد تاركا أثرا طيبا وذكرا حسنا في نفوس زملائه وأبنائهم وطالباته وغيرهم من أحبته، وكان أثناء عمله بالرياض يكلف في الإجازات الصيفية للوعظ والإرشاد في عدد من مدن المملكة من قبل وزارة الشئون الإسلامية، وكان محل التكريم والاحترام لدى أمراء وعلماء تلك المناطق التي يزورها لما يتمتع به من دماثة خلق وعلم وأدب جم رفيع، فحياته -رحمه الله- كلها جد وكفاح، كما لا ينسى جميل عقيلته منيرة بنت محمد الحصان -أم فيصل- المتفانية في خدمته والعناية بمظهره وملبسه حيث إنه بصير لا يبصر منذ أن نورت منزله مع تربيتهما ذريتهما تربية صالحة وهذا لا يستغرب منها ولا من مثيلاتها، فهو بار بوالديه واصلاً لرحمه مكثراً لتلاوة القرآن الكريم، وزيارة بيت الله الحرام، وقد طبع على السخاء والبذل ملتمساً حاجات الضعفة والمساكين عطوفاً على الأطفال يداعبهم ويفرحون بمجيئه، وله مساهمه جزلة في وقف أسرة المشعل، ومما حز في نفسه رحيل إخوته وشقيقه الشيخ مشعل وابني عمه محمد ابن إبراهيم، والشيخ حمد بن إبراهيم، وبقية الراحلين من أسرته في الآونة الأخيرة، حيث ظل هاجس الرحيل يُساوره بعدهم، وكثيرا ما يردد هذه العبارة بكل حزن وتحسر: غابوا كلهم وبقيت وحدي على قائمة الانتظار، ولسان حاله يردد هذا البيت: تغمده المولى بواسع رحمته، والهم ذويه وأبناءه وبناته وعقيلته أم فيصل، وجميع أسرة المشعل ومحبيه الصبر والسلوان {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}. - عبد العزيز بن عبد الرحمن الخريف