بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين (ورحل رفيقي صالح بن عبد الله بن سليم) سقى الله أرضاً حلّها قبر (صالح) ذِهاب الغوادي المُدْجنات فأْمرَعاَ فراق أصدقاء طفولة الإنسان له وقع خاص مؤلم ومحزن جداً يظل مكثه في النفوس طويلاً، لأنه قد قضى أحلى أيامه وساعات عمره معهم في مرحٍ وفرح ولم تشغلهم الدنيا بهمومها ومتاعبها. أيام كنت أناغي الطير في جذل لا أعرف الدنيا وبلواها فهم يقضون سحابة أيامهم وجزءاً من الليالي المقمرة.. جماعات وفرادى في مزاولة ألعابهم ونشاطاتهم المتنوعة المحببة إليهم، كالألعاب الشعبية ومزاولة السباحة في برك النخيل، وفي منخفضات تجمعات السيول في مواسم الأمطار، لما يجدوه من متع، وبالتسابق - أحيانا - بالجري السريع، وفي صعود الجبال، وتسلق بعض الأشجار وفسائل النخيل القصيرة - مثلاً - وغير ذلك من وسائل الحركة والترفية، فهي المتاحة لهم في ذلك الزمن.. لمزاولة هوياتهم المتعددة لتفريغ طاقاتهم المتقدة، لذا تقوى أواصر الألفة والمحبة بينهم، مكونة ذكريات جميلة تبقى لاصقة بين جوانحهم حتى مع كبرهم.. لا يمحوها ماح إلى أن يفرقهم هادم اللذات ومفرق الأحباب، وهذا هو شأني مع صديقي ورفيقي الوفي الأخ الفاضل صالح بن عبد الله بن سليم الذي انتقل إلى دار الخلود إلى رحمة الله بعد منتصف ليلة الجمعة الموافق 26 - 8 - 1434 ه . يا راقد الليل مسروراً بأوله إن الحوادث قد يطرقن أسحارا وقد حزنت كثيراً على فراقه وبعده عنا بعداً لا يرجى إيابه، وهذه سنة الله في خلقه : حياة ثم موت - تغمده المولى بواسع رحمته - فأديت عليه الصلاة بعد صلاة يوم الجمعة 26 - 8 - 1434 ه بجامع الحزم بمحافظة حريملاء وقد ضاق المسجد وساحاته بالمصلين.. رجالاً ونساء، ثم تبعه خلق كثير إلى مرقده بمقبرة (صفية) المعروفة بحريملاء - رحمه الله - وعندما حضرت لأداء الصلاة رآني أحد أبنائه قبل دخول المسجد منادياً قائلاً الوالد في مغسلة الأموات المجاورة للمسجد إن رأيت أن تلقي عليه نظرة وداع، وتدعو له بالرحمة والمغفرة من رب العباد، فلم أرَ بداً من استجابة الدعوة، فلما كشف الغطاء عن محياه الذي يشع نوراً وطراوة قبّلتُ ذاك الجبين: تخال بقايا الروح فيه لقربه بعهد الحياة وهو مَيتُ مقنع فلم أتمالك دفع دموع عيني في تلك اللحظة، لحظة الوداع الأخير، وكُلّي حزن وتضجع على رحيله الأبدي داعياً له بطيب الإقامة في جدثه إلى أن يأذن الله بخروج جميع الخلائق من قبورهم.. وقد ولد في محافظة حريملاء، وختم القرآن الكريم مبكراً على يد الشيخ المقرئ محمد بن عبد الله بن حرقان - رحمه الله - وكان محافظاً على أداء الصلوات منذ صغره، ويحضر دروس العلم، ويستمع للقراء في كتب المطولات التي تقرأ في المساجد قبل أداء الصلوات، فَنَمَتْ لديه ثقافة دينية عامة، استفاد منها في قابل حياته، فطلبه فضيلة الشيخ عبد الرحمن بن سعد قاضي حريملاء - آنذاك - ليعمل لديه بالمحكمة الشرعية في بعض الأعمال التي تتناسب مع مستواه ومقدرته، فحذق الكتابة والإملاء مع جودة الخط، وفي تلك الفترة أمَّ المصلين بمسجد بن غدير، ثم شخص إلى الرياض فعمل بالرئاسة العامة لتعليم البنات حتى تقاعد، وقد عمل إماماً في عدد من المساجد بالرياض: المربع، وحي عليشة، وأخيراً مؤذناً في مسجد التيسير بظهرة البديعة الذي يؤمه ابنه الأستاذ عمر، وكان من الصلحاء الزّهاد يقضي جُلّ وقته في آخر أيام حياته في تدارس القرآن الكريم مع الأستاذ الفاضل عبد الله بن سليمان الحميدي - أبو عصام - صديق الجميع بالمسجد المجاور لسكنهما - رحمهما الله - فهو على جانب كبير من الخلق الكريم تعلو محياه السماحة ولين الجانب والتواضع الجم مع الكبير والصغير، محبوباً لدى جيرانه ومع زملائه في العمل ورفاق دربه.. ولي معه ذكريات عمل خفيف.. امتداداً لذكريات الصغر بحريملاء يطول مداها، كما لا أنسى تفضله علي بإقراضي مبلغاً من المال بمكة المكرمة زمن أداء فريضة الحج حيث احتجت حاجة ماسة لذلك المبلغ لندرة معارفي هناك، فجزاه الله عني خيرا ورحمه رحمة واسعة، وكان التواصل معه وتبادل الزيارات فيما بيننا على فترات. طيلة العمر المديد فحياته كلها نشاط وعمل، وتواصل مع أحبته وأسرته، والعزاء في ذلك أنه قد خلف ذرية صالحة تدعو له وتجدد ذكره بالأعمال الخيرية، فأكبر الأبناء: عبد العزيز - رحمه الله - ثم بعده سليم، وعبد الله، عبد الرحمن، عمر، محمد، وعدد من البنات، ولئن غاب عنا شخص - أبو عبد العزيز - فإن ذكره الطيب باقي في خلدي وفي صدور أصدقائه وأحبائه، كم راحل وليت عنه وميت ورجعت يدي من تربه غبراء رحمه الله رحمة واسعة وألهم ذريته وأبناءه وبناته وعقيلته أم عبد الرحمن وأبناء عمه ومحبيه الصبر والسلوان. عبد العزيز بن عبد الرحمن الخريف