لدى معاينة الوضع العربي العام، والبلدان العربية التي شهدت ما كان يطلق عليه ثورات أو انتفاضات «الربيع العربي» بخاصة، لاحظنا الصعود اللافت لما يسمى بتنظيمات الإسلام السياسي الحركي، وتصدره المشهد السياسي على الرغم من دوره الهامشي في تلك التحركات الشعبية، حيث التحق وشارك فيها في ربع الساعة الأخيرة، ومع أنه توجد بعض الفوارق والتباينات ما بين وفي داخل مكونات وحركات الإسلام السياسي وتتعلق بجوانب عملية (تكتيكية) ونفعية (برجماتية) آنية تميزت بها على الدوام، غير أن هناك ثوابت ومنطلقات أيدلوجية وفكرية وممارسات وجوانب عملية واستهدافات مشتركة، ويتعلق ذلك تحديدا بتحليلها وتفسيرها للواقع القائم وسبل تغييره واستهدافاتها الإستراتيجية في الوصول إلى السلطة. تاريخيا تعايشت حركات الإسلام السياسي مع مختلف الأوضاع في ظل الأنظمة العربية المتعاقبة، ونستثن هنا حال انتقالها إلى مرحلة المواجهة والصراع المكشوف على السلطة. في البلدان العربية التي شهدت تحركات وانتفاضات واحتجاجات شعبية تحت عناوين بعيدة عن الشعارات التقليدية للإسلام السياسي على غرار «الإسلام هو الحل» و»الحاكمية لله» و»ولاية الفقيه» وتقدمت في المقابل شعارات ومبادئ المواطنة والحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والدولة المدنية، مما فرض على تلك الحركات أو بعضها ضرورة تكييف خطابها المعلن، وتبنيها لتلك الشعارات والأطروحات الجديدة، والتي في حقيقتها مفارقة للخطاب الأيدلوجي/ السياسي الشمولي للإسلام السياسي على مدى عقود. نلمس هذا التغيير (بغض النظر عن كونه حقيقيا أو تكتيكياً) بوضوح لدى بعض حركات الإسلام السياسي، كما هو الحال في تونس والمغرب، آخذين بعين الاعتبار استيعابها للمركب الاجتماعي / الثقافي / الإثني / المذهبي، ولموازين القوى على الأرض في تلك البلدان، والدور الوازن والمهم للقوى المدنية فيها مما جعلها تميل إلى دعم مفهوم الدولة المدنية، والتشارك السياسي مع الأطياف الأخرى، بما ذلك القوى الليبرالية واليسارية. هذا التغيير في خطاب الإسلام السياسي، لا ينطبق في حالات وبلدان أخرى، كما هو الحال في مصر وبلدان المشرق العربي، حيث لا تزال حركة الأخوان المسلمين وأذرعها السياسية، وكذلك الجماعات السلفية، تراوح مكانها، أو تزاوج ما بين خطاب «جديد « علني مطمئن موجه للداخل والخارج، وخطاب داخلي يتسق مع خطها الأيدلوجي / السياسي القديم. أطروحات وممارسات احركة الحوثية أو ما يسمى «أنصار الله» في اليمن تعتبر مثالاً فاقعاً لحقيقة الإسلام السياسي وأزمته في الآن معا، حيث الوقائع على الأرض تشير إلى استمرار تحكم سياسة الغلبة والاستئثار والإقصاء، والسعي المحموم لاحتكار السلطة عن طريق القوة العسكرية والانقلاب العسكري، وذلك ليس على حساب القوى والمكونات الاجتماعية (كالشباب والنساء) الأخرى التي فجرت الثورة فقط، بل والسعي المحموم لإقصاء مجمل المكونات السياسية والفكرية والمذهبية المغايرة وإجبارها على قبول الأمر الواقع، بل ووصلت الانتهازية السياسية للحركة الحوثية حد التحالف مع الرئيس السابق علي عبد الله صالح المتهم بالفساد المالي, حيث خلص تقرير للأمم المتحدة أعده محققون إلى أن الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح جمع بوسائل الفساد ما يصل إلى 60 مليار دولار وهذا الرقم يعادل الناتج المحلي الإجمالي السنوي لليمن أثناء فترة حكم صالح الطويلة ويعكس تقرير لجنة الخبراء بشأن اليمن التي عينتها الأممالمتحدة الانتقادات التي وجهها خصومه بأن حكم صالح الذي امتد من عام 1978 إلى عام 2012 كان يشوبه الفساد وأنه حتى وهو خارج السلطة كان يحرض على زعزعة استقرار البلاد وتواطأ في استيلاء مليشيات على السلطة العام الماضي ناهيك عن ضلوعه في عمليات القتل والقمع ضد معارضيه، وسعيه حين كان في السلطة لتوريث الحكم في نظام يطلق عليه جمهوري. التساؤل هنا: هل تتفق ممارسات الحركة الحوثية على الأرض، وسعيها المحموم من اجل إحكام سيطرتها على اليمن عن طريق القوة العسكرية، مع متطلبات تحقيق الأمن والاستقرار والسلم الأهلي، والتنمية المتوازنة، وحل مشكلات الفقر والبطالة المتفاقمة، ومواجهة خطر الإرهاب وتمدده، ناهيك عن قيام الدولة المدنية وترسيخ مفاهيم التعددية والتسامح والمواطنة والمشاركة المتساوية للجميع، بالتأكيد لا؟!