تعليقاً على مقال الكاتبة كوثر الأربش في عدد يوم الاثنين 18 جمادى الأولى 1436ه رقم ( 15502) بعض الأسئلة لديها قدرة رهيبة على اللحاق بنا، ورصد حركتنا، ومراقبتنا بشكل حثيث حى نصل بها إلى بر الإجابة، ومن هذه الأسئلة المهمة هذا السؤال الجدلي من الذي أتى أولاً البيضة أم الدجاجة؟ أعتقد أننا نكتب لأسباب كثيرة جداً، فبطبيعة الحال بعضها همٌ فردي، وبعضها الآخر همٌ وواجب مجتمعي، وبالنسبة للبعض فهو الهم الكوني الذي نهجس به جميعاً في كل بقاع هذه المعمورة، وهنا يتجلى سؤالٌ آخر: هل هناك أسباب صحيحة وأسباب خاطئة للكتابة؟ لا أعتقد ذلك ألبتة، فلكل هدفه وتوجهه، واهتماماته وأهدافه التي يسعى لها ويكتب لأجلها ويُعرِّف الناس بها، وتقض مضجعه حتى يوصلها لأكبر قدر ممكن من الناس، لذا لا أعتقد بثنائية الصح والخطأ فيما يتعلق بأسباب الكتابة، فبقدر الهدف والدافع للكتابة تتجلى الكتابة نفسها لتكون عملاً فنياً خالصاً، فالنص الذي يبدو متموضعاً كتمثالٍ منحوتٍ في غاية الجمال والأناقة أمام عين الكاتب لهو المفصل، فالكتابة كالأسلحة ندافع بها عن أوطاننا ومعتقداتنا وقيمنا وسلوكياتنا في عالم مجنون تشوبه الاضطرابات في كل مكان، وهي في ذات الوقت وسيلة بارعة للتعبير ونقل القيم والمفاهيم والمشاعر والأحاسيس! والكتابة مثلها مثلنا بني البشر، لها عمرٌ معين إن بلغته قضت واندثرت، لذا دوماً ما يسعى الكاتب لإطالة عمر ما يكتب، ولذا قيل عن الكتاب «الابن الخالد» الذي يخلدنا، ويخلد أفكارنا، همومنا، علومنا، ثقافتنا، حتى بعد دهور طويلة إن أجدنا ما كتبنا بطبيعة الحال! أؤمن أن هذا السؤال الهاجس سيظل يُلاحق كل من يمارس الكتابة، هوايةً كانت أم مهنة، وستتردد الإجابات البسيطة في دواخلنا كلما سألناه، وستظل الإجابات العميقة تنخرُ في الروح بحثاً عن ملاذ وسكون. أما عني فأنا أكتب لأتمرد على السكون، أكتب لأتجذر من خلال من يقرؤون لي أكثر من رغبتي في تجذرهم من خلال ما أكتب، أكتب لأجعل من سخافاتي أمراً مُدهشاً يستحق الاحتفاء به، أكتب لأواجه المخاوف التي تسكنني كلما انفردتُ بخيالاتي وكلما نظرتُ إلى دواخلي بصدق ويقين، أكتب لأعطي الثرثرة التي بداخلي حقها في أن يسمعها الجميع، أكتب لأشقى ولأشفى، وبكل تأكيد أكتب لأخلق مساحتي الخاصة من الأمان! أما قبل.. أردد ما قال درويش: من أنا لأقولَ لكم ما أقولُ لكم؟!.. أنا مثلكم أو أقلُ قليلا!