ليس سؤالاً مباغتاً أن تسأل قاصاً يحترف كتابة القصة القصيرة. متى ستكتب روايتك؟ أو بصاغية اخرى كم خطوة إبداعية بينك وبين كتابة الرواية؟. وايضاً يأتي السؤال الآخر. هل كتابة الرواية تعد حتمية إبداعية للقاص؟ في هذه الحالة التفاؤلية التي يعيشها القاص المحلي توجهنا بهذين السؤالين لبعض ممن لازالون يحملون الولاء للقصة القصيرة. أو ممن يهجسون بكتابة روايتهم المؤجلة فكانت الاجابات التالية: يقول القاص صلاح القرشي: لا خطوات مطلقاً بيني وبين الرواية بشكل عام، لكن بيني وبين الرواية التي أريد الكثير من التردد والمراجعة والتوجس. لا أنكر أن هاجس كتابة رواية سيطر عليّ في وقت ما، لكنني تيقينت أن الكتابة لمجرد الاستجابة لهذا الهاجس لن تنتج رواية ناضجة، وبالتالي فلن استسلم لمجرد الرغبة في المشاركة في هذه الحمى اللذيذة. شخصياً أشعر بسعادة كبيرة مع كل عمل روائي جديد، وأتابع باهتمام ومتعة، وأعتقد أن القادم روائياً سيكون أجمل وأقوى ولن أستغرب أن ننظر بعد سنوات لأعمال روائية اعتبرت وقت صدورها أعمالاً جريئة ومتمردة على أنها مثال للمحافظة والاعتدال. لن أستعجل مطلقاً في نشر أي عمل روائي خصوصاً وأنني أحقق متعتي الفنية في الكتابة من خلال القصة القصيرة وهذا ما سيقودني لإجابة بقية سؤالك.. فليست الرواية حتمية في نظري وأعتقد أن القاص يستطيع أن يحقق ذاته الأدبية من خلال فن لا يقل عظمة وأهمية وصعوبة أيضاً وهو فن القصة القصيرة، ولن نعدم من إيجاد أمثلة كثر لتأكيد دور القصة القصيرة في ترسيخ كاتبها وإبرازه، ولا داعي لضرب أمثلة عالمية أو عربية ولكنني هنا سأتحدث عن أديبين رائعين ومهمين أدبياً وتاريخياً هما الأستاذ جارالله الحميد والأستاذ جبير المليحان. القاص فيصل الرويس يتوجس من هاجس كتابة الرواية ويقول: خطوة واحدة، قد تكون قصيرة (وهينة) وقد أتمزق بعدها؛ كما يحدث لبعض. ولعلي تخطيتها لا أدرك نفسي. يجب أن أعرف خطواتي جيداً، وما يمكنني فعله بالضبط، وبعد التأكد يمكنني الإجابة بدقة وحتى الآن. أجد أن كتابة القصة بحد ذاتها ليست غاية حتمية ولن يجبرني الأدب على التسول حتى الان!!. الكتابة مسؤولية تاريخية؛ قد يستهتر بها أناس ويتحولون إلى متنفس للسخرية؟!، ولكن للأوراق المكدسة حكايات خجولة. إنها معين للسخرية الذاتية يساعدني على الحياة. ولن أكون العالم بأي حال من الأحوال. لن يقرأني من يستحق أن أكتب صدقاً وأنا على قيد الحياة، فلماذا العجلة؟ القاص خالد المكرمي يتساءل ويقول: تقول: «كقاص كم خطوة....؟»، ولأنني وحتى اللحظة - وبأمانة - لم أر في القاص الذي تذكر، فلم أدخل بعد إلى منطقة ال«كم» الحسابية، وحقيقة لا أدري أين أنا في منطقة الكتابة، وأين هي مني كتابة الرواية، حتى أحسب لنفسي أو لك المسافة التي تفصلني عنها بالخطوات، أو حتى بالأميال.. باختصار لم أفكر حتى الآن.. لكن دعني أقول لك بمنطق آخر إنني حين أهجس هاوياً ثم أعمد إلى كتابة قصة أو أقصوصة، ينغزني ما يشبه التحفز للمضي في كتابة فضفاضة لا يتسع لها جلباب القصة، وفي نفس الوقت ليست رواية بمفهومها المعروف. أمّا أن تكون الرواية حتمية تدريجية يجب أن يصل إليها القاص فلا أعتقد البتة، بل وأستطيع الجزم بأنه ليس من الضرورة أن تكون قاصّاً أولاً كي تكون روائياً، كما أنه ليس صحيحاً أنّ الطريق لكتابة الرواية يجب أن يمر أولاً بكتابة القصة، ولعلي أن أسوق لك مثالاً من الرعيل الأول الذين كانوا يصنفون التصانيف الكبيرة الكتابية كالجاحظ مثلاً، الذي لا تخرج الكثير من كتاباته عن كونها سرداً ولكن بطريقة شاعت كفن كتابي آنذاك.. وأمثاله الذين كتبوا السير، وترجموا التراجم، وصنفوا المعاجم. أضف إلى ذلك الكثير من الروائيين المشهورين في وقتنا الحاضر بعضهم لم نقرأ لهم قصة أو مجموعة قصصية، وبعضهم يفشل في كتابة القصة ويبرز في كتابة الرواية، وهكذا. القاص مشعل العبدلي ينتظر ان يثق بادواته السردية ليشرع في كتابة الرواية ويقول: كقاص، ليست المسألة عندي كم هي الخطوات المتبقية..؟ أنا حقيقة لا أفصل بين أجناس السرد الأدبية، قصة أو رواية، ولدي قاعدة (وأعتقد أن كثيرين يؤيدونها) تقول: من يتقن لعبة السرد ونثر الحكايات لن تختلف المسألة لديه، سواء كتب قصة أم أشتغل على رواية. والكل يعرف فروقات القصة عن الرواية. الفرق الذي أراه في هذا المحور، هو في كمية الوقت والجهد المبذول لإنجاز الرواية أعلى بكثير منه في كتابة القصة. كتابة قصة قد تنتهي منها في ساعة، أما العمل الروائي فسيستغرق شهوراً من العمل المضني في صياغة الفكرة إلى حبكة روائية متماسكة وربط فصولها وحكاياتها وقصصها في عمل روائي واحد ويليق. أي أن كتابة الرواية باختصار تتطلب نفساً أطول. لا أنكر أن كثرة المران والتمرس في كتابة القصص القصيرة تعطي القاص دفعة معنوية ليرتقي ليكتب رواية، مع قناعتي بعدم وجود ما يسمى تطور وارتقاء على مستوى الكاتب ينقله من كونه قاصاً ليصبح روائياً. السر فقط في إتقان السرد.. مع قناعتي أنه يستطيع أن يفعل ذلك ما دام يتقن السرد. من ناحيتي أستطيع كتابة عمل روائي ولا أرى كماً من الخطوات يتطلب علي خطوها، رغم أني لم أكتب أكثر من عشر قصص قصيرة أنا راض عنها، وصدقني روائياً فلن أتردد لحظة في الشروع في عمل روائي. وهل ترى الرواية حتمية يجب أن يصل إليها القاص؟ تبعاً للإجابة أعلاه، ليست حتمية. فقط نحن من تعود ودرج على مفهوم أن القاص يتطور إلى روائي، بعد أن ينتج عدداً من المجموعات القصصية، ومشهدنا المحلي يعكس ذلك تماماً، وكما قلت هي مسألة لا علاقة لها بذلك، ففي ثقافات غربية أخرى، وعربية أيضاً، يخرج كتاب كثيرون بأعمال روائية (خالدة) ولم يكتبوا قصة قصيرة واحدة. والإجابة واحدة لسؤاليك، الفرق فقط في القدرة على إتقان الحرفة السردية، وبعدها الأمر سيان، كتبت قصة قصيرة أم رواية، ولا حتمية للوصول من أحدها إلى الآخر. القاصة نوال الجبر تقول: إن الواقع الإبداعي والثقافي السعودي يشير إلى تزاحم شديد في الآونة الأخيرة باتجاه فكرة الرواية لدرجة تجعلني أحاول قدر الأمكان ابعاد خطواتي عن مساحة الرواية، لكن السؤال الجوهري في الأمر فيما لو خرجنا من اطار المنجز الإبداعي الآني وفورة الخطى الحثيثة نحو الرواية كفن معاصر بلغت سطوته تزداد وتتسع حتى أنه بالأمكان تسمية العقود الأخيرة عصر الرواية والسينما الحديثتين.. شخصياً لا أجد الهوة واسعة بيني كقاصة وكروائية لكني أجد توجهاً عندي نحو القص والسرد القصصي منطلقة من رؤية إبداعية تنتمي لأن أختار ما تمليه علي هواجسي وليس ما يمليه علي المناخ الإبداعي والمزاج الثقافي السائد.. بهذا المعنى يمكنني أن أقول إنني أهجس في داخلي نأياً عن العمل الروائي لكنه بالتأكيد ليس عدولاً أو نفوراً منها وما تمثله قراءاتي العديدة والواسعة في الرواية العالمية والعربية لي إنما هي الدليل على جل اهتمامي بالإبداع الروائي وفنونه بدءاً من الرواية الواقعية وليس انتهاءً بالواقعية السحرية في أدب أمريكا الجنوبية والكبير غابريل غارسيا ماركيز خصوصاً. ولا يفوتني في هذا الصدد أن أشير إلى أن الرواية بالنسبة لي هاجس عملية مثاقفة عميقة تدفعني للولوج في عالم القصة ودواخلها الإبداعية بمعنى تشكل لي الرواية عالماً واسعاً للاطلاع والمتابعة لكل مستجدات الثقافة العربية والعالمية.. بما يسمح لتشكل شخصيتي وتوجهاتي الإبداعية.