أقدمت جحافل مغول داعش بقيادة «هولاكو» العصر على حرق وتدمير المكتبات والمتاحف والمساجد في مدينة الموصل وما حولها من مدن وقرى. وقد تعمد مغول هذا العصر ألا يبقى للأثر الإسلامي أو الآشوري باقية تذكر بمجد حضاري غارب؛ فتعمدوا تفجير المواقع الأثرية النفيسة بالديناميت، متعللين بأن في المساجد أو الجوامع قبوراً، كما فعلوا بجامع النبي يونس أحد أهم وأبرز الآثار التاريخية في مدينة الموصل، وكما فعلوا بجامع عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - غربي الأنبار؛ فقد تم نسفه ولم يبق له أثر، على الرغم من كونه واقعاً في منطقة سنية، وهو ما يشير إلى أن هؤلاء التتار الجدد يرفعون شعارات وهمية كاذبة بالانتصار للسنة وهدم قبور الأولياء والصالحين؛ ولكنهم والحق لا يهدمون أضرحة أو يسوون قبوراً فحسب؛ بل يهدمون المساجد والجوامع والآثار؛ إسلامية وغير إسلامية، ويحرقون آلاف المخطوطات النادرة التي تعود إلى الحضارة الإسلامية والآشورية وغيرها؛ ويرى أحد موظفي مكتبة الموصل - حسبما أوردت صحيفة الإندبندت - أن المتطرفين أحرقوا ما يقرب من 112709 مخطوطة وكتاب، ثم فجروا المكتبة بالديناميت، وهكذا فعلوا بمتحف مدينة الموصل؛ فلم يبق أثر من كنوز هذا المتحف التاريخي إلا دمر وفتت، ويعود بعض مقتنياته إلى حضارات وادي الرافدين قبل الميلاد بستمائة عام. ولنا أن نسرف في ضرب من الخيال الأسود؛ فنعيد كرة اقتحام جحافل التتار الجدد بغداد - لا سمح الله - فماذا يمكن أن يفعلوا بجوامعها وجامعاتها ومكتباتها ومتاحفها؟ هل سيصبغون نهري دجلة والفرات بأحبار المخطوطات العربية والإسلامية؟ هل سيقيمون جسراً على النهر من الكتب والمؤلفات في كل الفنون والمعارف كما فعل أسلافهم المغول بقيادة هولاكو عام 656ه حين دمروا الحضارة العربية والإسلامية بعد أن اقتحموا بغداد وأزهقوا النفس الأخير للدولة العباسية؟ بل كيف يمكن أن نتخيل ما يمكن أن يحدث من صور مأساوية لو أن هذا التوحش المغولي اجتاح العالم العربي ولون الخارطة بالألم والدم والخراب وهلاك الزرع والضرع؟ ماذا سيحدث للجامع الأموي ولمكتبات ومتحف دمشق؟ ماذا سيحدث لجامع الأزهر ومكتبات ومتحف القاهرة؟ ماذا سيحل بدمشق الأمويين وقاهرة المعز؟! لو حدث ما لا يمكن أن يتصوره عاقل لعالمنا؟ لن يبقى حتماً من تاريخ منطقتنا القديم أو الحديث ما يدل على هويتنا ولا ما يشير إلى من نحن ولا ما يُتكأ عليه من مرجعيات دينية أو تاريخية. إن في التدمير الشامل الممنهج الذي يعتمده المغول الجدد إشارةً ضمنيةً واضحةً تؤكد الغاية البعيدة التي يرمي إليها تنظيم داعش؛ وهي مسح وإفناء تاريخ وتراث المنطقة العربية الحضاري؛ ولكنه يتوسل بهدم القبور والأضرحة؛ كي تنطلي حيلته على السذج والمغفلين ممن التحقوا بالتنظيم جهلاً واندفاعاً ونقص علم وتزمتاً واعتناقاً لمبدأ التكفير، وهكذا يحقق التنظيم السري العدو للأمة أهدافه الدنيئة غير الدينية بشعارات دينية مدعاة. ألم يحكم المسلمون العراق منذ عام 15ه في عهد الخليفة عمر؛ فلِمَ لم يهدموا قبر النبي يونس؟ ولِمَ لم ينسفوا آثار الآشوريين؟ ألم يفتح المسلمون بلاد السند والهند والأفغان؛ فلِمَ لم يحطموا آثار الأمم التي سبقتهم؟ ألم يفتح المسلمون الشام ومصر والأندلس؛ فلِمَ لم يمسح الفاتحون الجدد آثار الفينيقيين في الشام، أو الفراعنة في مصر، أو القوط في الأندلس؟! أيمكن أن يكون الدواعش خيراً وأقرب إلى الله وأزكى عملاً وأنبل مقصداً من صحابة رسول الله والتابعين؟ أيمكن أن يكون البغدادي أو العدناني أو الشيشاني أطهر وأزكى وأنقى من خالد بن الوليد وسعد بن أبي وقاص ومحمد بن القاسم الثقفي فاتحي الشرق، أو من عمرو بن العاص فاتح مصر، أو من قتيبة بن مسلم فاتح شمال أفريقيا، أو من موسى بن نصير وطارق بن زياد فاتحي الأندلس؟! نحر الحضارة كنحر البشر!