يكشف تاريخ الحروب الصليبية ان الاوضاع التي تمر بها العراق اليوم وبعد الحرب الأخيرة انما هي تكرار لما حدث قديما وبالتحديد منذ مرور اكثر من 750 عاما حين سقطت بغداد على يد هولاكو. ففي مثل هذه الاجواء التي تعيشها العراق الآن اقتحم هولاكو بغداد عام 1258 للميلاد حيث كانت الحروب الصليبية على اشدها.. وبعد سقوط أكثر من 200 ألف شهيد مسلم في معارك بغداد وقع الخليفة المستعصم خليفة بغداد في ذلك الوقت بين يدي هولاكو وقام هولاكو بحبس (ماكيكا) بطريرك بغداد في قصر الخليفة.. ولعب ابن العلقمي وزير المستعصم الذي وثق به الخليفة العباسي دور الخائن الذي أذله المغول فيما بعد وعاش أيامه منبوذا حتى سخرت منه امرأة عراقية وقالت له: (يابن العلقمي اهكذا كان يعاملك بنو العباس؟) وهكذا أبت القوى المحتلة وهي تنتصر لنفسها ان تنتصر لغيرها من الخونة والعملاء. هذا ما كشفه كتاب (الحروب الصليبية.. مواقف وتحديات) للمؤلفة العراقية سهيلة الحسيني والذي قدم له المفكر الاسلامي محمد عمارة. أشارت المؤلفة الى وضع العراق بعد سقوطها على يد هولاكو الذي اصر هو وجيوشه على ألا يتركوا بغداد فاتنة العواصم رقيا وحضارة إلا وهي اطلال تنعق فيها الغربان بينما سعى السلاجقة وبنو أيوب (من عشائر العراق) لتهنئة هولاكو والتقرب اليه بالهدايا. ويكشف الكتاب ان ما تشهده سوريا الآن من احداث شهدته من قبل ابان تلك الحروب. ويسوق الكتاب نماذج لبعض حكام المدن الاسلامية التي سقطت نتيجة السياسات الخاطئة لحكامها واصحابها كصاحب (حماه) الذي سارع بعد سقوط حلب لإنقاذ أهله ثم تركها لمصيرها بعد أن ارسل بمفاتيحها الى هولاكو الذي استناب عليها رجلا من العجم صاحب حمص ايضا الذي ارتضى ان يبيع نفسه ومدينته لهولاكو وحاكم الموصل بدر الدين لؤلؤ ذو الاتجاه الفكري الصليبي والمظهر الاسلامي فهو الذي تخلص من آل زنكي الغيارى حتى مجيء المغول حيث جعل من ولده الصالح لؤلؤ ملكا سار بركاب هولاكو مع اخيه (الملك المجاهد) صاحب جزيرة ابن عمرو ليصبحا في خدمته. أما دمشق حاضرة الشام وعاصمته العتيدة فمن المخجل كما تقول المؤلفة ان ينتهي بها الأمر بهروب صاحبها الناصر يوسف بنفسه وأهله ليتركها نهبا للأعداء مما أوقع الرعب في أهلها الذين جعلهم يذهبون الى هولاكو يجرون اذيال القهر والالم ليسلموه مفاتيح المدينة مع الهدايا ليدخلها برفقة ملك أرمينيا وأمير أنطاكية.. اما قلعتها فاستعصمت على الغزاة وتحدتهم مما ألجأ المغول الى نصب المناجيق لرميها رميا متواترا كالمطر المتدارك فهدموا كثيرا من أعاليها وشرفاتها وتداعت للسقوط وذلك في ابريل 1259 للميلاد وقتلوا متوليها ونقيبها وسلموا المدينة الى امير مغولي يدعى (ابل سيان) الذي قام بتنصيب الأجانب على المدن المختلفة. واشار الكتاب الى محاولات اسقاط مدن اخرى غير بغداد مثل القاهرة وذلك حينما ارسل هولاكو الى سلطان مصر الامير قطز يدعوه الى الخضوع لكن رده كان بقتل رسول هولاكو وتعليقه على باب زويلة كإشارة تفيد التحدي الشريف والمقاومة واستنفر قطز المصريين للجهاد وانضم اليهم الخوارزميون المقيمون فيها منذ مهاجمته المغول مدنهم وصار قطز بجيشه على طريق السواحل الفلسطينية حتى عكا ورغم تواجد الصليبيين في تلك الانحاء إلا أنهم آثروا الحياد لما رأوا من قسوة المغول ونهبهم مدينة (صيدا) التابعة لهيمنتهم وكذلك انتظارا لنتائج الحرب ثم اتخذ السلطان قطز طريق الجنوب الشرقي مجتازا الناصرة حتى توقف عند عين جالوت وفيها اشتبك مع الجيش المغولي بقيادة (كتبغا النسطوري) وحلفائه من القرج والارمن وحين اختلت صفوف المسلمين في المعركة انطلق القائد قطز كالسهم مدفوعا بغيرته الدينية مخافة هروبهم امام المغول مما جعله يصرخ في حماس (وااسلاماه) ليتحقق النصر. وجاء النصر في هذه المعركة الفاصلة لطمة شديدة الوقع على المغول ولأول مرة فوق الثرى العربي فقد رآها المسلمون فرصتهم للتعبير عما في صدورهم لرد بعض ما واجهوه من مرارة استفزاز مشاعرهم الدينية فخرج مسلمو دمشق فور سماعهم وصول الجيش المصري غزة الى دمشق يستنقذون اسراهم وتذكروا انتهاك مقدساتهم. واوضح الكتاب انه بمعركة عين جالوت تذوق المسلمون طعم النصر الذي افتقدوه منذ معركة حطين وبذلك اثبتوا تاريخيا انهم أمة لن تباد ابدا واعتبرت معركة عين جالوت هي بداية النهاية للصليبيين والمغول وسائر القوى المعادية الخائنة للاسلام وأهله.