استطاع عضو مجلس الشورى الأديب الدكتور عبدالله المعطاني أن يخرج ندوة «التماثل بين الأدب الأندلسي»، إلى بر الأمان بعد أن تغيب الدكتور محمد بنشريفة عن الحضور للمشاركة في الندوة البارحة قبل الأولى في إطار الأنشطة الثقافية للمعرض الدولي للكتاب والنشر في الدارالبيضاء فاستطاع المعطاني أن يحتوي الحضور فكريا، فنيا، وأدبيا ويقدم معلومات غنية عن موضوع الندوة. المعطاني بدأ الأمسية بإلقاء قصيدة شعرية كتبها في زيارته الأولى للمغرب عام 1975م، وتناول في ورقته أمام جمهور المثقفين بقاعة البردوزي بالمعرض، السمات البارزة للتداخلات والتباعد للتراث الأندلسي الذي كان ظاهرة فريدة على مر العصور، واستشهد بالمستشرق «جاك بيك، الذي عمل 40 عاما أستاذا في جامعة السربون، حين أقامت له الجامعة الفرنسية حفلة تكريم لتوديعه وطلب منه المهتمون والطلاب بأن يختار محاضرة يختم بها مساره المهني في تلك الجامعة فاختار «الاندلس»، قائلا: «إنها المجتمع الوحيد «الأندلس» ، الذي صنع حضارة من عدة أعراق ومن عدة أجناس ، ولم يكن يوما من الأيام متزمتا أو مغاليا أو مكتسحا». ويعلق المعطاني على قول البروفيسور «بيك»، بأن ذاك كان عندما كان العرب أسياد تلك البلاد، لأن المسلمين عندما فتحوا الأندلس أبقوا الناس على حالهم، لم يهدموا الكنائس، لم يهدموا المعالم الحضارية ولم يدمروا التماثيل، عكس ما وقع بعد خروج العرب من «الفردوس المفقود»، هدمت المساجد وحولت إلى كنائس وضيق على الناس، فمن يقرأ القرآن في بيته يحارب، ومن يتكلم اللغة العربية يقطع لسانه، ومحاكم التفتيش تقمع وتنكل، وفي غرناطة كان قساوسة الكاثوليكيين يراقبون إحراق الكتب والمخطوطات العربية، وقتل في غرناطة 10 آلاف مسلم، وسالت دماؤهم في حي يدعى حي «البيازين»، الذي علق على تسميته الباحث ب «حي البائسين» ، الذي هو آخر معقل لإخراج العرب من الأندلس، الذي يطلق عليه «شكورة» ، لكن المسلمين خرجوا من الأندلس ولم تخرج حضارتهم، بل بقيت ترن في أذن التاريخ، شاهدة على التاريخ العربي الإسلامي في تلك الديار. ولم يغفل الباحث في محاضرته، التي أدارها الدكتور محمد أديوان، الحديث عن التمازج الأندلسي ومقوماته التي تمثلت في التزاوج والانصهار الإنساني، وكذلك في المأكل والمشرب والعادات والتقاليد، فالعرب عندما دخلوا فاتحين للأندلس في العصر الأموي، دخلوها بحضارة لكنها لم تكن حضارة مؤثرة بشكل كبير حتى جاء عبد الرحمن الداخل حوالي 134 ه إلى الأندلس وأقام دولة بني أمية فيها، واختتم المعطاني محاضرته قائلا: «رغم سقوط الأندلس، فلا تزال تحمل طعم وملامح الوجود الإسلامي الذي امتد لعدة قرون، وأن مساجد ومكتبات الأندلس لا تزال تحمل ملامح الحضارة الإسلامية، وأن الشعب الإسباني لا يزال متأثرا حتى الآن، من حيث اللغة والثقافة والآداب والفنون، بتأثير الدولة الأندلسية»، وأضاف «إسبانيا بحكم الوجود الأندلسي هي أقرب البلدان الأوروبية إلى الثقافة العربية الإسلامية».