تداولت وسائل التواصل الاجتماعي مقطعاً يوضح في ثنايا عرضه موائد طعام مليئة بالذبائح والفواكه المنوعة، وعلى حجم هذه النعمة لا يوجد عدد يُناسب مقتضاها؛ حتى لا يُرمى شيء في حاوية النفايات، ولكن الحقيقة مُرة لأهل القلوب الحية؛ ففي نهاية المقطع جاءت سيارة البلدية وعُمال النظافة، وبدؤوا يحملون هذه النعمة ويرمونها في حاوية النفايات؛ لتكون في حكم «التالف». العجيب ليس في التصرفات الفردية التي تم ذكرها في ثنايا الحدث، وإنما أتعجب ممن يصرخ بأن راتبه لا يكفي الحاجة، وأننا نريد المزيد، وما لدينا لا يكفي احتياجاتنا، وهم يتفاخرون برمي النعمة في حاويات النفايات «بغير قصد أو عمد»! فالحاجة على قدر الحاجة، والتبذخ بالنعم ليس هو المطلوب في «الكرم»، ومن الكرم شكر «النعم». وعليه، فإن الشريعة الإسلامية في أكثر من نص لها تهتم بالحث على حفظ النعمة، وعدم امتهانها ورميها، ومنها قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إِذَا سَقَطَتْ لُقْمَة أَحَدِكُمْ فَلْيُمِطْ مَا كَانَ بِهَا مِنْ أَذًى وَلْيَأْكُلْهَا وَلا يَنْبِذْهَا لِلشَّيْطَانِ». وفي هذا دليل على احترام النعمة وعدم رميها. وعليه، فإن الحكمة من حفظ النعمة أنها وسيلة إلى «مكافحة المجاعة» التي نراها اليوم تدور حول عالمنا، وفيها لمحة سياسية اقتصادية في تنمية موارد البلاد، وغيرها التي لا يحصى ذكرها.. قال تعالى: {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ}. وقياساً بدول الغرب، فإن أحدهم إذا أراد الدخول لمطعم ليتناول وجبة، وأخذ وجبتَيْن وبقي فائض من الطعام تصدر له مخالفة من صاحب المطعم لعدم إكمال الوجبة. فنحن أحق بهم من هذه القرارات التي قد يكون لها أثرها في حفظ النعمة، ومنها أن يكون هناك قانون يجرّم رمي النعمة في حاوية النفايات، وإيجاد عقوبات تُحدُّ من هذه الظاهرة.