طالعت على صفحات (الجزيرة) خبراً عن تورط أحد محال العطارة في تسويق مستحضرات وأعشاب وأدوية طبية غير مرخصة من وزارة الصحة، وذلك أثناء عملية دهم في إطار الجولات التفتيشية على المحال التجارية التي تتعلق بالصحة العامة. وبين الحين والحين نطالع أخباراً كثيرة من هذه النوعية. ولا أحسب أني أذهب بعيداً حين أقول إن هناك سوقاً موازية للعلاج والأدوية، تحت مسمّى «الطب الشعبي والعلاج بالأعشاب»، خصوصاً في ما يتعلق بأمراض الذكورة والعقم والإنجاب، والأمراض المزمنة، مثل السكري والكلى والكبد، محذرين من انتشار ما سموه «هوس العلاج بالأعشاب والوصفات الشعبية»، بسبب الرغبة القوية في الحصول على علاج. بل إن ما أخشاه أن تتحول محال العطارة إلى صيدليات غير مرخصة، تبيع الوهم للمرضى، في ظل تردد كثير من الأشخاص عليهم للسؤال عن وصفات وأدوية عشبية، لا يعلم أحد تركيبها ولا مدى صلاحيتها، طالبين النصيحة. فعلى الإخوة المستهلكين توخي الحذر في الاستخدامات العشوائية للأعشاب، سواء كانت علاجاً أو مستحضراً تجميلياً، للخطورة الكبيرة التي تكمن في هذه الممارسات الخاطئة، وانعكاسها سلباً على صحتهم العامة، والاعتماد على الجهات ذات الاختصاصات المؤهلة لبيع هذه الأعشاب، ومعرفة شروط استخدامها بشكل دقيق، محذرة من اللجوء إلى منافذ بيع الأعشاب غير المرخصة، وغير المعتمدة من الجهات الصحية والطبية والمؤسسات ذات الصلة بمثل هذه الأنشطة الاقتصادية. ومن المؤسف انتشار التداوي بالأعشاب بين مصابين بأمراض مزمنة يسقطون ضحايا لتجار الأعشاب يستغلون حالة الضعف التي يعيشها هؤلاء المرضى، ساعين إلى التكسب منهم من خلال إعطائهم جرعات عشوائية، تؤثر سلباً في صحتهم، وتسبب لهم أعراضاً جانبية خطرة. وكثير من الأعشاب المقوية لها مخاطر صحية عديدة، خصوصاً على مرضى السكري والقلب، وتسبب السرطان، وأمراض العقم، لبعض الفئات العمرية. أيضا بعض الأعشاب لها آثار جانبية لا يدركها البائع ولا المريض، كما أن هناك أعشاباً تباع في الأسواق على أنها مقوية للرغبة الجنسية، فيما هي تحتوي على مواد ثبتت خطورتها على صحة المريض، إذ تختلف أسباب الضعف الجنسي من شخص إلى آخر، واستعمال الأعشاب أو الخلطات المجهولة المصدر يؤثر بشكل كبير في بقية أعضاء الجسم، وفي مقدمتها الكبد والمعدة، ومع الأسف فإن تلك التأثيرات لا تظهر إلا بعد شهور، أو سنوات، حين يكون المريض قد أصيب بعقم أو مرض جنسي، لافتاً فالغالبية تستخدم عشبة واحدة لعدد من الأمراض، دون علم أو دراية بمكونات العشبة، ومدى فعاليتها، والآثار الجانبية التي تصيب من يتناولها. أيضاً فالأعشاب المستخدمة في الوصفات العشبية تحتوي على أكثر من مركب، ومن الممكن أن تكون فيها مركبات تزيد من سوء الحالة المرضية، كما أن طريقة تخزينها قد تكون سيئة. أيضاً يلجأ كثير من النساء إلى هذه الوصفات لتسريع الإنجاب، أو لعلاج نوع من العقم يمكن علاجه طبياً، لكن يحتاج إلى بعض الوقت، وبسبب عدم صبرهن، ورغبتهن المُلحة في الحمل، يلجأن إلى هذه الوصفات التي أصابت البعض بالعقم التام، وقضت على فرصهن في الحمل والأمومة. أيضاً تخفيف الوزن باب كبير يدخل منه تجار الوهم. ومن المخيف ما أعلنته هيئة الغذاء والدواء مؤخراً عن أنها لم ترخص أي مستحضر عشبي لتخفيف الوزن في البلاد، وحذرت من وجود بعض الشركات التي تسوّق لمنتجاتها على أنها لتخفيف الوزن (التخسيس)، وأن مجهولين يبيعون ويروجون للأعشاب عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي، يوهمون المستهلكين بأنها مسجلة رسمياً لدى الهيئة العامة للغذاء والدواء، وهو ادعاء غير صحيح. وأوضحت الهيئة أن بعض هذه الشركات حصلت على تراخيص لمنتجاتها الغذائية فقط، والتي ليس لها أي فوائد علاجية نهائياً بما في ذلك إنقاص الوزن، مشددة على ضرورة توخي الحذر من تناول المنتجات والخلطات التي يتم تسويقها كمستحضر يساعد في «تخفيف الوزن»، لثبوت الغش فيها بإضافة نسبة عالية من مادة السيبوترامين، التي سبق حظرها دولياً نظراً لما تسببه من أضرار جانبية على القلب والدورة الدموية، وغيرها من المواد الضارة الأخرى. إن تجارة وهْم كبيرة تجد سوقاً رائجة في بلادنا، حين يسعى بعض العاملين في محلات العطارة إلى تسويق عبوات غير مرخصة تحمل أسماء غير معروفة أطلقت عليها مستحضرات التجميل وأعشاب طبية تعالج الشيخوخة وتعيد الشباب، في ظاهرة استعادت تواجدها بقوة في الفترة القليلة الماضية. وإن الجهود الحكومية وحدها لن تكفي لحصار هذه المنتجات القاتلة التي لا أحد يعرف من يقوم بتركيبها لأنها ببساطة لا تخضع لجهة رقابية، وهنا يأتي دور المواطن.