تكتظ صحراء «الحمّاد» في منطقة الحدود الشمالية بأعداد الصقارين الذين يفدون إليها من داخل المملكة ومن دول الخليج العربية مع مطلع شهر سبتمبر من كل عام المعروف ببداية موسم صيد الصقور؛ إذ تشتهر بجذبها لأغلى أنواع الصقور في العالم التي تعبرها في هجرتها السنوية في مثل هذا الشهر تقريبًا. والصقور من الطيور التي حرص العرب في الجزيرة العربية على اقتنائها منذ آلاف السنين؛ إذ يستخدمونها في ممارسة هواية الصيد التي توارثها الأجيال حتى هذا اليوم. وفي طبيعة صحراء الحمّاد البكر التي تقع تحديدًا بالقرب من مركز حزم الجلاميد شمال المملكة تنتشر خيام العديد من الصيادين الذين حضروا إليها منذ مطلع شهر سبتمبر الماضي، رغبة في صيد الصقور النادرة التي تعبر هذا المكان في هجرتها السنوية. وقد شد مجموعة من الصقارين رحالهم لصحراء الحماد منذ أيام عدة لصيد إحدى الصقور المهاجرة التي يعرف منها: الصافي، الأشعل، الفاتح المغاتير، الأبيض، الفارسي والسنجاري، ويصل سعر الواحد منها إلى 315 ألف ريال. ففي وسط صحراء الحماد التي تحفها البرودة ليلاً والاعتدال نهاراً حط الصقارون رحالهم ناصبين خيامهم، وبحوزتهم أدواتهم التقليدية التي تعينهم على المكوث في البراري أياماً عدة، إضافة للأدوات الحديثة من أجهزة الاتصالات وتحديد المواقع التي ترشدهم خلال تحركاتهم في بطون الصحراء. وقال شيخ الصقارة في منطقة الحدود الشمالية دحام بن رحيل العنزي إن موسم صيد الطيور المهاجرة يبدأ في الأول من شهر سبتمبر من كل عام، ويستمر حتى دخول مربعانية الشتاء. مشيراً إلى أن الصقارين يأتون إلى «الحمّاد» في مثل هذه الأيام لترقب صقور الحر الذي ينقسم إلى المثلوث والوافي، ويأتي منها القرناس والفرخ، والشيهانة البحرية. وقد صادت إحدى المجموعات ستة صقور في يوم واحد فقط. وأوضح دحام العنزي أن صقر «الحر» من أغلى الصقور سعرًا؛ وذلك لمنظر ريشه ومقاسه الذي يصل إلى 17 إنشًا. مبيناً أن الحر يحتاج لتدريب كبير جدًا بعد اصطياده مهما كانت قوة مواصفاته. وعن طرق صيد الصقور قال أحد محبي هذه الهواية المهندس طيب حمود: يوجد لذلك طرق عدة، منها التقليدية التي تتم عن طريق وضع الشبكة على ظهر طير الحمام، وتُرمى للصقر في وقت مبكر جدًا. وهناك طريقة «شبكة طيور السمان» أو ما يعرف «المريعي»، من خلال وضع الشبكة على ظهره ووضع ثقالات في أقدام طير السمان لضمان عدم قدرة الصقر على التحليق. وأضاف حمود: توجد طريقة «المناشبية»، وهي من الحلول الصعبة التي تتطلب خبرة كبيرة في الصيد، وتأتي بعد أن يرفض الصقر الهجوم على طير الحمام والمريعي، ويقدم خلالها للصقر حمام دون شِباك، وبعد أن يأكلها يتم طرده لمسافات بعيدة حتى يتعب، ويبحث عن ظلال شجرة كبيرة توضع فيها هذه المناشبية. مشيراً إلى أن هناك طرقاً أخرى لصيد الصقور المهاجرة. وبحسب قول الكثير من الصقارين، فإن الصقر حينما يتم اصطياده يتعرض لإغماء بسيط، يستغرق دقائق عدة، وتتم إفاقتبرش قليل من الماء على رأسه. وللصقور الأغلى سعرًا مواصفات عدة، ذكر الصقارون منها: القدرة على صيد طائر الحبارى، والسرعة، والساق القصيرة والمنقار المتناسق، ولفحة الجناح السريعة، في حين يصل عمر الصقر إلى 20 عامًا، لكنه بعد سنة 12 عامًا يفقد كل مميزاته؛ إذ يضعف بصره، وتقل سرعته، ولا يستطيع تأمين طعامه إلا بمساعدة الصقّار. وحول طريقة تدريب الصقر بعد اصطياده، قال الصقار فريد ناصر إنه يجب تدريبه بعد اصطياده بشكل مستمر؛ ليتعود على الصقار، وتتم ملازمته لفترة أسبوعين كاملين حتى يعتاد على صقاره، ويُستخدم في البداية خيطٌ لترويضه، وأجهزة تعقب إلكترونية تحدّد مكانه بدقة في حال اختفائه، ويستمر هكذا حتى يعتاد الصقر على الصقار، وتنشأ بينهما بعد ذلك حالة من الانسجام.