يستيقظ خلف متحمساً بدءاً من الخامسة صباحاً.. وينطلق في رحلة صيد يتعقب أفضل أنواع الصقور في العالم ليصطادها إما للبيع أو للاقتناء.. حتى يحل المساء.. طوال الثلاثين عاماً الماضية لم يكل خلف ولم يمل من ممارسة هذه الهواية، فهي تسري في دمه ولا يمكن أن يفرط فيها.. ولم يتوقف عن الانطلاق لرحلة الصيد كلما حل الأول من أكتوبر، حيث يبدأ موسم هجرة الصقور من الشمال، مروراً بمرابع شمال المملكة. «الشرق» التقت بأحد أهم الصقارين في مدينة عرعر خلف الطيار، ليحكي تجربته مع هذه الأنواع المهمة من الصقور التي يجني البعض منها أرباحاً وفيرة. بين الهواية والمهنة «وكري» أول طير تم اصطياده هذا الموسم قبل شهرين في الحماد ويرى الطيار أن أسباب تعلق الناس بهذه الهواية تختلف ما بين الأشخاص، فمنهم مَنْ يحبها كهواية وللمتعة، ومنهم مَنْ يحب اقتناء الصقور، ومنهم مَنْ يعتبرها وسيلة رزق، خصوصاً مع وجود أنواع تباع بمئات الألوف، بل تصل إلى المليون إن لم تتجاوزه. هجرة الصقور يقول «الطيار» معلوم لدى الجميع أن هجرة الصقور تكون من الشمال من الأماكن الباردة، مثل: تركيا وإيران وبلاد القوقاز وأفغانستان وباكستان وأطراف منغوليا متوجهة للجنوب إلى أن تستقر بأوساط إفريقيا وذلك بحثاً عن الدفء. وتسكن «الصقور» فوق رؤوس الجبال العالية في المناطق الباردة مثل: جبال الهمالايا، وجبال القوقاز، وجبال منغوليا، وجبال إيران والصقر «السنجاري» يسكن فوق مرتفعات جبل سنجار في العراق. أما موسم هجرتها إلى المملكة قادمة من البلدان المجاورة فيبدأ مطلع أكتوبر الجاري. أنواع الطيور ويضيف الطيار هناك نوعان من الصقور هما: «الحرار» و«الشاهين»، والنوع الأول: الحرار ويتفرع منه: * الفارسي: وهو أشهر هذه الأنواع ومن الأنواع النادرة التي تباع بمبالغ خيالية. * الشمالي: موطنه سوريا والعراق. * السنجاري: من جبل سنجار في العراق. * الباكستاني: موطنه باكستان. * الروسي: بلاد القوقاز. ويتفرع من الحرار «الكامل» وهي الأنثى ويكون مقاسها 16 إنش طول وبعرض يصل إلى 18 إنش والإنش يساوي 2.5سم، وكلما زاد حجمها وزان ريشها زادت قيمتها. أما ذكرها فهو المثلوث: ويكون مقاسه من 14 إلى 16 إنش، وإذا كان أقل من 14 يقال له ربع وهو من ضمن المثاليث. وكلما زاد طوله وعرضه ومال لونه إلى البياض، زاد حجم كفيه وقصر ساقيه وزاد عرضه عن طوله ووسع منخره كلما زاد سعره. أما النوع الثاني: فهو الشاهين وهو على نوعين «البحرية – الجبلية» وتكون الشاهين البحرية أكبر من الجبلية، وكلما كان ساقها طويلاً ولون ريشها داكناً ويميل للسواد وكبر حجمها وكفها ومنقارها كلما زاد سعرها. الحر مثلوثة «وكري» شيهانة كاملة شيهانة «حر كامل» سرعة هائلة والشاهين أسرع من «الحرار» إذ تصل سرعته أثناء الانقضاض من الأعلى إلى الأسفل إلى سرعة 360 كم. ويعيش الطير الحر إلى 22 عاماً ويسمى «فرخ» إذا كان عمره سنة فما دون، وفي السنة الأولى يسمى الطير «بكر» ثم «ثنو»، وفي السنة الثالثة يسمى «قرناس ثالث»، ويمكن معرفة أعمارهم والجزم بها عن طريق لون الريش وملمس الكفوف تكون «حرشاء»، بعد ذلك يصعب على كثير من الناس معرفة عمر الصقر وإنما يقدرونه تقريبياً. سلامة الطير ويؤكد الطيار أن الريش في أجنحة الطير من الأشياء التي يعرف بها سلامة الطير من مرضه وهي التي تميز الطير في قيمته، خصوصاً الريش السبعة الأولى في الجناح وتسمى كل ريشة باسم تبدأ بالموس والنايفة والرديفة والرابعة والخامسة والسادسة والسابعة. غش مكشوف ويميل لون الريش في الطير السليم إلى اللمعان وملمسه إلى النعومة. أما الطير المريض فيكون ريشه خشناً وملمسه غير ناعم ويميل لونه إلى الباهت. ويعتبر كسر أو سقوط إحدى ريش الطير من الأسباب التي تقلل من قيمة بيع الطير بشكل كبير رغم أن هناك عملية معالجة يقوم بها الصقارون أو البيطري تسمى «التوسير» إلا أن هذه العملية مكشوفة لدى الصقارين. وتتميز «الحرار» بألوانها وكل طير له لون يعرف به مثل «المجهم: وهو داكن اللون» و الحمر والأشعل والأشقر والأبيض. ويكون لون الريش إما صافياً وهو اللون الذي لا يخالطه نقط من لون آخر على ظهر «الصقر». «والأرقط» ويكون لون الريش وفوقه نقط من لون آخر تكون على ظهر الصقر وغالباً ما يتميز به الصقر الباكستاني. أما الشاهين فغالباً ما يكون لون ريشه أسود داكناً أو أحمر. «الاقتناء» ورغم أن الشاهين يتفوق على «الحر» بسرعته إلا أن أصحاب هذه الهواية يفضلون اقتناء الحر كونه «يقرنس» أسرع بمعنى يستبدل ريشه ويجدده ما يجعله أقوى، كما أنه يألف على صاحبه بشكل أسرع. وتحتاج الصقور من أسبوع إلى عشرة أيام كي تتدرب، إلا أن الشاهين أسرع للتعليم من الحر، ويعتبر «الفرخ» أسرع من «القرناس»، الذي يبلغ من العمر سنتين لأن القرناس تطرأ عليه بعض الأعراض النفسية التي تحد من سرعة تدربه، ومبدأ تدريب الصقر تحطيم نفسيته ليتعود عليك. كما يوجد نوع من الحرار يصيد الغزال وهو ما يدفع المهتمين بهذا النوع من الحيوان الجميل والمهم لتدريب الصقور على صيده. أماكن الصيد من الكويت إلى سوريا إلا أن أشهرهذه المناطق في المملكة هي منطقة «الحماد» الواقعة غرب مدينة عرعر بمنطقة الحدود الشمالية، وتمتد جنوباً إلى أن تنتهي بسوريا مروراً بالأردن والعراق. أدوات وطرق الصيد شبكة المناشبية من الشباك التي يتم بها صيد الصقر وتتميز أدوات صيد الصقور بتنوعها، منها «شبك صيد الطيور»، الذي يوضع على طيور الحمام والسمان والمريعيات وحيوان الجربوع وتعتبر من أكثر أنواع شبك الصيد استخداماً. أما «المناشبية»: فهي عبارة عن قطعة حديدية مربعة الشكل فيها عيون «شبكة» توضع في ظل الشجر وتغطى بالرمل الناعم ومن الممكن وضع طائر المريعي فيها. وفي حال استعصى أن يهد الطير على الحمام الموضوع عليه «شبكة الصيد» فيقوم الصقار برمي المريعيات للصقر ليأكلها، وحينما يشبع فإنه يتجه لظل الشجرة فتمسك بأصابع قديمة الشبكة الموجودة في «المناشبية» كما توجد وسيلة النقل وهي عبارة عن شبكة تربط بطائر جارح يسمى «الباشق» أو طائر «الحقبي»، ويوضع فيها قطع من الريش أو جلد الجربوع لإيهام الصقر بأنها فريسة فيهجم على طائر الباشق للاستيلاء على ما يحمله فتعلق أصابعه بالشبكة ويقع هو والباشق على الأرض ويمسك به الصقار. وأخيراً هناك «المخدجة»: وهي حلقة دائرية، قطرها ثلاثون سم تقريباً تكون مربوطة بعصا طويلة يصل طولها إلى أربعة مترات تستخدم فيها شبكة مثل شبكة صيد السمك تستخدم عند خدج الطير بالليل والتأكد من منامه في مكان معين يذهب أحد الصقارة ويشترط أن يكون خفيف الحركة لا يرتدي ملابس كثيرة حتى لا يصدر حركة، ثم يلقي بالمخدجة على الصقر ويمسك به. أدوات الصقار أحد أنواع الشبك التي تستخدم لصيد الصقور ومن الأدوات التي يستخدمها الصقار: بداية لا بد من وجود الصقر المدرب لمَنْ يمتلكه، والدس والبرقع والسبوق والدوربيل والشبك. أما الأجهزة التي تتبع الطير فهي «الصفرة» تكبس في ريش الطير وترسل ذبذبات يستقبلها الصقار عبر جهاز «رسيفر» معه يستطيع من خلالها تحديد وجهة الطير وقوة الإشارة وضعفها تدل على قرب وبعد الطير عن صاحبه. رحلة قنص يقول خلف الطيار: يبدأ يوم الصقار بعد صلاة الفجر مباشرة قبل طلوع الشمس وبعد تناول وجبة الإفطار والقهوة العربية وتجهيز أدواته، حيث يقوم بتشبيك الحمام والمريعيات استعداداً لإطلاقها فيما لو شاهد «صقراً»، وينطلق من المخيم الذي يسكن فيه إن كان لديه مخيم أو من مكان مبيته. ويفضل عدم التوجه جهة الشرق تفادياً للشمس لتكون الرؤية أفضل لهم ويستمر بالبحث إلى وقت ارتفاع الشمس «الضحى». بعد ذلك تكون فترة تعرف «بالمغدى» يعودون إلى المخيم ويقوم الصقارون بفك الشبك عن الحمام وصنع الشبك إن احتاجوا إلى ذلك وتفقد أدواتهم ويتداولون الحديث ويتناولون وجبة الغداء. وبعد صلاة العصر مباشرة تكون فترة المقناص الثانية وتستمر حتى مغيب الشمس. وخلال فترتي المقناص يكون هناك تواصل بين الصقارة من أعضاء المخيم عن طريق أجهزة الاتصال في حال وجد أحدهم طيراً أو اشتبه في ذلك، ومن العلامات التي يشتبه فيها بوجود طائر الصقر مشاهدة ما يعرف بطائر «العقاب» لأنه دائماً يتبع الصقر ليأخذ صيده، وقد يقتله، ومن المعروف أن طائر العقاب أقوى من طائر الصقر ولكن السرعة لا تخدمه. شيخ الصقارين ويتعارف صيادو الصقور على مجموعة قوانين وأخلاقيات يعتبرونها حازمة، ولاينبغي تجاوزها، ففي حال عثر أحد الأشخاص على طير يجب عدم مزاحمته أو الاقتراب منه إلا إذا طلب هو المساعدة. ولا يجوز الصيد عن طريق «النقل» عشوائياً في وقت فترتي المقناص «الصبح» و«العصر» إلا في حال مشاهدة الصقر بشكل مؤكد. ويجوز له إطلاق النقل عشوائياً فيما عدا فترتي المقناص. أما شيخ الصقارين فهو شخص معروف بهذا المسمى يرجع له بالحكم والفصل في حل مشكلات القنص التي تقع بين أصحاب هذه الهواية. سوق خاص للصقور وقبل أن نودع الطيار طلب من أمانة منطقة الحدود الشمالية عبر «الشرق» توفير سوق مستقل للصقور يكون قريباً من مكان الصيد، نظراً لأن الصيادين يستأجرون استراحات لهذا الغرض. كما طالب من هيئة الاتصالات أو شركات الاتصالات توفير أبراج في هذه المناطق، لأنهم يفتقدون الاتصالات فيما بينهم ويجدون صعوبة في التواصل، خاصة في مسألة البيع والتواصل مع التجار، مشيراً إلى إمكانية توفير أبراج متنقلة أو موسمية، ما يساعدهم على تطوير هذه الهواية وتعميم الفائدة على العاملين في هذا المجال.