لا شكَّ أن مشروعات الإسكان من أهم المشروعات التنموية في المملكة العربيَّة السعوديَّة حيث رُصدت ميزانية 265 مليار ريال لبناء 500 ألف وحدة سكنية لذوي الدخل المحدود، ومن ثمَّ أضيف إليها برامج أرض وقرض، وقرض من دون أرض، وغيرها من تطوير الأراضي الخ; وفي نهاية المطاف دمجت المشروعات مع بعضها وتَمَّ قبول طلب 620 ألف أسرة استوفت الشروط كدفعة أولى للبرامج السكنية من ضمن 960 ألف أسرة تقدمت. أُقحم لاحقًا موضوع فرض الزكاة والرسوم على الأراضي البيضاء لخفض أسعار الأراضي، وإن كان ذا علاقة ونؤيد من منظور اقتصادي وتنموي عمل ما يلزم عمله لخفض الأسعار، إلا أننا لا نرى أن تكون عائقا في المضي قدمًا في المشروعات السكنية; فوزارة الإسكان أمامها مهمة كبيرة جدًا ولم تعمل على إيجاد العوامل الأساسيَّة للنجاح، لدرجة أننا لا نعلم الوجهة القادمة في المشروعات السكنية. من أهم عوامل ومتطلبات نجاح المشروعات السكنية هو إيجاد نظام متكامل للهندسة وإدارة المشروعات، فهذا المشروع ضخم ويلزم إيجاد نظام وكوادر كافية للهندسة ومتابعة المشروعات; وهذا النظام يجب أن يشمل الهندسة، وإدارة العقود، وإدارة المشتريات، والخدمات اللوجستية، والمراقبة والمتابعة، والمواصفات والمعايير، والجودة والسَّلامة، والمحاسبة والحوكمة، وغيرها من عناصر إدارة المشروعات. ربما أن الوقت تأخر كثيرًا على بناء «هندسة وإدارة مشروعات» متكاملة، ولكن ربَّما التحالف مع شركات عملاقة أجنبية لفترة مؤقتة ويمزج معها كارد سعودي لنقل التقنية وعملية الإحلال التدريجية للسعودة الكاملة. على وزارة الإسكان التفكير خارج الصندوق وإيجاد الحلول وتجاوز العقبات; وتكمن المشكلة في الوزارة أن الذين يعملون على إيجاد الحلول هم نفس الأشخاص الذين يحاولون إيجادها خلال الثلاث سنوات الماضية; وكان الأجدى الاستعانة بمدارس الفكر في جامعاتنا ومن خلال المفكرين في البلد بتأسيس لجنة استشارية تعقد ورش عمل سريعة لطرح المشكلات وتخطيها أو إيجاد بدائل. كان تركيز الحلول على البناء التقليدي وبالطرق التقليدية، وهذا ما جعل المشروعات شبه متوقفة، نحن نعلم أن البناء التقليدي يحتاج وقتًا طويلاً ويحتاج إمكانات، وليس لدينا كميات حديد وإسمنت وطابوق كافيه، فأسعارها سترتفع كثيرًا وستتعثر المشروعات أكثر وأكثر، وأيْضًا ليس لدينا نحو مليون أو اثنين أو حتَّى 5 ملايين عامل ينتظرون هذه المشروعات، إما يعملون بأعمال أخرى فالاستعانة بهم ستعطل مشروعات أخرى أو سنجلبهم من الخارج ويحتاجون سكنًا وغذاءً وكهرباء ومواصلات وغيره الكثير. سأطرح بعض المقترحات على وزارة الإسكان وأرجو أن تتقبلها بصدر رحب، لعلها تساعدهم بطريقة مباشرة أو غير مباشرة أو ربَّما تذكرهم بطرق أفضل، وأنصح بتطوير الأفكار عن طريق مراكز الدراسات وليس القبول أو الرفض لآرائنا كما هي، وسأركز على الطرق السريعة: أولاً: يوجد في المملكة وحدات سكنية وشقق لم تُسكن بعد، يقدر عددها ب 900 ألف وحدة سكنية كما ذكر، ولكن لنفترض أنها 500 ألف أو حتَّى 400 ألف; اقترح طرح مناقصة جماعية وفردية لشراء 100 ألف وحدة سكنية (متفرِّقة) من هذه الشقق الجاهزة، فطرح المنافسة سيخفض الأسعار مهما كانت الأوضاع، فليس جميعها مملوكة لشركة واحدة أو شركات قليلة ممكن أن تتعاون على تماسك الأسعار، فهذه المباني يملكها شركات كثيرة وغالبيتها صغيرة، وهناك كميات كبيرة يملكها أفراد أيضا; فمتى ما وجدت الآلية لهذه الخطوة، تستطيع وزارة الإسكان ربَّما شراء 100 ألف وحدة سكنية أو شقة سكنية أو أقل أو أكثر وهذا سيخفف كثيرًا على العبء على الوزارة ويمكن استكماله في أشهر قليلة. ثانيا: يمكن للوزارة بناء منازل غير تقليدية، أيّ لا تعتمد على الحديد والإسمنت كثيرًا، وهذا المباني موجودة في المجمَّعات السكنية مثل أرامكو وغيرها، فمثلاً لو بنت الوزارة من هذه المساكن من 100 ألف إلى 150 ألفًا، فهي سريعة التركيب ورخيصة وليس بها عوائق مثل المباني التقليدية، فيمكن شراؤها من الخارج من عدَّة دول، ويكون التركيب ضمن العقود. هذه المباني ليست سيئة كما يعتقد الكثير، فالغالبية العظمى من سكان أوروبا والولايات المتحدة وكندا واليابان يسكنون مثل هذه المباني وتُعدُّ مباني للطبقة المتوسطة وما فوق. ربما الوزارة بحاجة إلى مزيد من الوقت في بعض المشروعات داخل المناطق الكبيرة والمزدحمة، ومزيدًا من الوقت لبناء المشروعات السكنية التقليدية، فربما البناء ولو ب25 في المئة من المساكن كما ذكرنا يخفف من الضغط على الوزارة، وتكسب بها ثقة المواطن والمسؤول والثقة بالنفس، ومزيدًا من الوقت.