غزة اليوم بعد حرب الواحد والخمسين يوماً، هي ليست غزة ما قبل، لقد سطرت أروع ملاحم التضحية والفداء في مواجهة العدوان الصهيوني المستمر ضد الشعب الفسطيني، لقد تعرضت لأبشع هجمة عدوانية صهيونية ظالمة الحجر والشجر والبشر على السواء. غزة صمدت، غزة انتصرت، غزة ضحت من أجل فلسطين وشعبها، وليس من أجل فصيل أو حزب، لذلك لم تنتصر الأحزاب والفصائل وإنما انتصرت غزة، لتنتصر معها فلسطين، ومن أجل أن يتأكد هذا الانتصار يفرض على الأحزاب والفصائل أن تترجم هذا الصمود وهذه التضحيات إلى مواقف سياسية تتسم بسمة التضحية من قبل الفصائل والأحزاب بما يوازي تضحيات غزة، حتى تترجم إلى انتصار لغزةولفلسطين، النصر في غزة ليس لحماس أو لغيرها لتقطف ثماره، وهذا يحتم على كل فصائل وأحزاب فلسطين أن ترتقي في أدائها السياسي إلى مستوى هذا الانتصار وهذه التضحيات التي قدمتها غزة، وأول صور الارتقاء هو الترفع عن الحسابات الحزبية والفصائلية والاندماج في الرؤية الوطنية الشاملة للانتصار، وهذا يدفع بالجميع باتجاه المصالحة الوطنية الشاملة بين المكونات الحزبية والفصائلية الفلسطينية على كافة ألوانها وتشعباتها، لأن الشعب الفلسطيني ليس حزباً أو فصيلاً، أو مجموعة من الأحزاب أو الفصائل مهما بلغت سطوتها ومهما اتسعت دائرة نفوذها، وشبكة علاقاتها الإقليمية والدولية، فالشعب الفلسطيني دائماً أكبر من أحزابه وفصائله، وهو الذي يقدم التضحيات ويضرب المثل في الصمود والتصدي للعدوان الصهيوني، ووعيه الجمعي الواحد والموحد ضد العدوان، وحول أهدافه الوطنية المرحلية الإستراتيجية، فالشهداء لم ينسبوا إلى فصيل أو حزب وكذلك الجرحى، والمشردين جراء الدمار الهائل الذي ألحقه العدوان. فالذي يقطف الانتصار ليس الفصيل أو الحزب، وإنما هذا الشعب الصابر والمضحي بكل ما يملك، والذي على صخرة تماسكه وصموده أفشل العدوان تلو العدوان وأبقى قضيته حية متلألئة تطارد العدوان وتفرض على الضمير العالمي والإنساني مشروعيتها وأحقيتها بالنصرة والعدالة، وهزم الحديد والنار الذي انصب وينصب فوق رؤوس أبناء الشعب الفلسطيني وليس فوق رؤوس الأحزاب والفصائل وقادتها، فتجاوب الأحزاب والفصائل مع هذا الاستحقاق الوطني الكبير يفرض عليها المصالحة الوطنية وإبعاد القضية الفلسطينية عن كافة التجاذبات الحزبية والفصائلية والإقليمية والدولية. إن الخلافات الحزبية والفصائلية هي معول هدم للصمود وضياع للتضحيات والانتصارات التي سطرها الشعب الفلسطيني وسطرتها غزة على الخصوص ويضع الوسيلة الناجعة بيد العدو لإفقاد فلسطين انتصارها، كما يضع الذريعة الكافية بيد الأشقاء والأصدقاء قبل الأعداء للاستمرار في مواقفهم السلبية والانتظارية التي تحول دون تثمير هذه التضحيات والانتصارات على السواء في مصلحة الشعب الفلسطيني وقضيته، إن الوحدة الوطنية الفلسطينية كانت ولا زالت هدف العدوان الأخير وما سيتبعه من اعتداءات لاحقة؛ فالتأخير في تحقيقها هو استجابة مباشرة لرغبات العدو الصهيوني في إبقاء حالة الانقسام مسيطرة على الوضع الفلسطيني وتاركة المجال لعبثه وعبث القوى الإقليمية والدولية؛ سواء كانت دولاً تطمح لتسجيل دورها الإقليمي والدولي من خلال القضية الفلسطينية أو أحزاب وقوى عابرة للدول والقارات مثل حركة الإخوان المسلمين ومشروعها الأممي الإسلامي الذي بات متوافقا مع قوى إقليمية ودولية ويأخذ من القضية الفلسطينية ساحة للصراع. فقيادة حماس اليوم مطالبة أكثر من أي وقت مضى أن تؤكد أولاً للشعب الفلسطيني أنها جزء أصيل لا يتجزأ من الحركة الوطنية الفلسطينية التي بدأت النضال وسطرت آيات وإنجازات كبيرة في مسيرة الكفاح الوطني قبل أن تظهر حركة حماس والتي هي مستمرة ولن تتوقف قبل أن تحقق أهدافها الوطنية، وعليها أن تقوم وتؤكّد علانية وبصراحة متناهية أنها لا تمثِّل امتداداً لأي حركة سياسية عابرة للدول مهما علا شأنها وتقدّس اسمها بالدين أو بغيره من الشعارات الرنانة أو المحاور المتصارعة ممانعة أو مقاومة أو معتدلة، وهذا لا يتأتى إلى في التأكيد على اندماجها في الحركة الوطنية الفلسطينية وأطرها ومؤسساتها وفي مقدمتها م.ت.ف والسلطة الوطنية دون اشتراطات حزبية أيديولوجية أو غيرها وأن تعمل من خلال تلك الأطر وأن تكون شريكة أصيلة في تطويرها ورسم سياساتها على أساس الشراكة مع كل المكونات وليس على أسس الهيمنة والإقصاء للمكونات الأخرى التي قد تسبقها في الوجود سواء قلَّ أو زاد تأثيرها، وأن تحتكم لقواعد السلوك الوطني والديمقراطي في المشاركة في القرار الوطني مقاومة عسكرية أو سلمية، ذلك ما تفرضه ضرورات الواقع المعيش فلسطينياً وعربياً ودولياً، وما تفرضه تضحيات الشعب الفلسطيني في الداخل وفي الخارج وخصوصاً في ظل الوضع الكارثي الذي باتت تعاني منه غزة جراء العدوان المتتالي في ثلاث حروب خلال خمس سنوات تعجز عن تحمّله دول كبيرة ومستقلة، فغزة تنتظر من حركة حماس ومن كل المكونات الفلسطينية الارتقاء لمستوى تضحياتها وصمودها والاستجابة للضرورات التي تحتاجها غزة، فهل يطول انتظارها، حتى يدرك المعنيون أن الوطن والشعب ومصالحهما أهم بكثير من مصالح الحزب أو الفصيل وارتباطاته الإقليمية والدولية؟!