أمير القصيم يشهد توقيع اتفاقيات مشروع خط أنابيب الجبيل – بريدة    جود نوعي    نائب وزير الخارجية يشارك في الاجتماع الوزاري التحضيري لمجلس جامعة الدول العربية    عبور 20 شاحنة إغاثية سعودية جديدة لمساعدة الشعب السوري منفذ نصيب الحدودي    ولي العهد والرئيس اللبناني يعقدان جلسة مباحثات رسمية    الشلهوب يُرزق بشيخة    محمد بن علي زرقان الغامدي.. وجه حي في ذاكرة «عكاظ»    نيابة عن خادم الحرمين.. أمير الرياض يكرّم الفائزين في مسابقة الملك سلمان لحفظ القرآن في دورتها ال 26    مدرب الهلال "خيسوس" قبل لقاء باختاكور الأوزبكي : هدفنا تحقيق نتيجة إيجابية    رد على «تهنئة رمضانية» يقود رئيس شركة للسجن!    تعليق الدراسة الحضورية بتعليم مكة والجموم والكامل وبحرة    حرس الحدود ينقذ (12) شخصًا بعد جنوح واسطتهم البحرية على منطقة صخرية    أنباء عن خطة مصر لتشكيل هيئة مؤقتة لإدارة القطاع.. «حماس»: لا تعيينات إدارية في غزة    مدرب الأهلي "يايسله": مستعدون ومتفائلون لتحقيق نتيجة رائعة أمام الريان    تهنئة بلغاريا بذكرى اليوم الوطني    "حديث السّحر" ماشفت ، ماسويت ، ماقلت ، مدري    استخبارات الحوثي قمع وابتزاز وتصفية قيادات    أكبر عذاب تعيشه الأجيال    توصيل الإنترنت عبر الضوء    «الغذاء والدواء»: 1,450,000 ريال غرامة على مصنع مستحضرات صيدلانية وإحالته للنيابة    أسعد بشيّه في ذمة الله    الأسهم الأوروبية تغلق على ارتفاع قياسي    فيصل بن خالد يقيم مأدبة إفطار لأهالي المنطقة    بعد صدور قرار تأسيسها ..جمعية أدبي الطائف تعقد أول اجتماع لمجلسها الجديد    خديجة    الإيمان الرحماني مقابل الفقهي    وزارة الشؤون الإسلامية تنظم مآدب إفطار رمضانية في نيبال ل 12500 صائم    المشي في رمضان حرق للدهون وتصدٍ لأمراض القلب    تأثيرات إيجابية للصيام على الصحة النفسية    أطعمة تكافح الإصابة بمرض السكري    قال «معارض سعودي» قال !    الشهادة التي لا تسقط بالرحيل    6 مجالات للتبرع ضمن المحسن الصغير    تنظيم الشاحنات الأجنبية يدخل حيز التنفيذ    التعليم السعودي يفتح خزائنه في سباق العشرين عالمياً    الدوري أهلاوي    السد يتعادل مع الوصل في دوري أبطال آسيا للنخبة    النصر يتعادل سلبيا مع الاستقلال في غياب رونالدو    التسامح...    5 مواقع للتحلل من النسك    عينك على البحر.. عينك على المستقبل !    ولي العهد والرئيس اللبناني يعقدان جلسة مباحثات رسمية    دبلوماسية الردع عن بُعد    جوازات جدة تستقبل رحلات المعتمرين خلال رمضان    مشروع الأمير محمد بن سلمان لتطوير المساجد التاريخية يعيد الأصالة العمرانية لمسجد الرويبة    برعاية خادم الحرمين.. الأميرة فهدة بنت فلاح آل حثلين تكرّم الفائزات بجائزة الملك سلمان لحفظ القرآن    «حماقي» يطمئن جمهوره على حالته الصحية بعد نقله إلى المستشفى    آثر من حدائق الإنسانية    فيصل بن مشعل يزور القضاة والمشايخ    «صم بصحة».. جهود توعوية لجودة الحياة    لصيام دون مخاطر.. إرشادات لمرضى السكري    محافظ الخرج يشارك رجال الأمن وجبة الإفطار في الميدان    مَارَسَ الاحتيال.. «الفنانين العراقيين»: إيقاف مسار الحجامي 6 أشهر    أمير القصيم يستقبل العساف بمناسبة تكليفه محافظًا للرس    سمو أمير المنطقة الشرقية يطلع على أهداف وبرامج جمعية "مقتدر" لرعاية الأحداث    السلمي يحتفل بيوم التأسيس مع "التوفيق" لرعاية الأيتام    «الإعلام» تكرم الفائزين بجائزة التميز الاثنين المقبل    أمطار رعدية على مناطق المملكة حتى يوم الجمعة المقبل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



استقبال رمضان

لقد حل بأربُعكم وافد مبارك، وضيف كريم، هو شهر رمضان، شهرُ الصيام والقيام، شهر له دون الشهور فضائل، الشهر الذي جاء لترتفع الأرواح من مُوبقاتها، ولتتوب النفوس من تمردها، ولتنخلع القلوب من كبريائها، وليراجع الناس حساباتهم مع أنفسهم، في أيام معدودات، يتجرّد فيها المؤمنون من نوازع الشهوات النفسية، والدوافع الفطرية، والرغبات الإنسانية التي طالما متَّعوا أنفسهم بها.
يتجرَّد المؤمنون من تلك النوازِع جميعها، لا لشيء! إلا رغبةً فيما عند الله عز وجل من الثواب، وفي ذلك تربية روحية للمسلم تجعله يُضاعف الجهود في سبيل استكمال فضائل الروح، وتخليصها من الشهوات المُهلكة، والرَّغائب المُنحطة، وجعلِها عامرةً بحب الله، والتعرف إليه في كل حركة وسكْنة، والإقبالِ على كل ما يُقرب إليه من قول جميل، وفعل حسن، حتى تسمو الروح، وترتفع إلى مدارج الكمال الرباني.
فقوتُ الروح أرواح المعاني
وليس بأن طعمتَ ولا شربتَ
لقد جعل الله جل وعلا للصوم غاية، ووضع له غرضاً ألزم المؤمن أن يسعى لبلوغه، وهذا الغرض النبيل هو: التقوى - تقوى الله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} سورة البقرة (183).. نعم هذه هي الحكمة من فرض الصوم، وليس الغرضُ إرهاقَ المكلفين بالجوع والعطش، وكَبْتِ الشهوة، وإنما المراد منه: ثمرته الروحية التي تتجلى في سلوك المؤمن أثناء صيامه، ثم بعد انقضاء شهر الصيام، طيلة شهور العام، وهي ما يكتسبه الصائم بفضل الصوم من تقوى القلب، وتهذيب النفس، وإنَّ أجلَّ معاني التقوى: مراقبةُ الحيِّ القيوم! التي تملأ النفس والقلب، وتنتصبُ شاهداً على عظمة الإيمان، وصدقِ التوحيد، وإن الصوم - أيها المسلم - لَيُعِدُّ نفْسَ الصائم لتقوى الله، بترك شهواته الطبيعية، القريبة منه، والعزيزةِ إليه، بحيث، لولا تقوى اللهِ وحسنُ مراقبتِه لما تركها، ولو كان تركُها بأنفس الأثمان، ولكنَّ تقوى اللهِ، جعلته يعي أمانة الله، في حال خفائه عن الناس، واختلائه بنفسه، قال صلى الله عليه وسلم: (كل عمل ابن آدم يضاعف، الحسنةُ بعشر أمثالها، إلى سبعمائة ضعف، قال الله عز وجل: إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به، يدع شهوته وطعامه من أجلي) متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، فما أجلَّها من فائدة! في تحقيق جوهر الإيمان، وحصول حقيقة التوحيد، وما أكبرَ الأثر المترتب على ذلك من الخوف والرجاء؛ إذ إن الصائم يعلم أن له رباً يطلع عليه في خلواته وجَلَواته، وقد حرَّم عليه، أن يتناول شهواته التي جُبل على الميل إليها في خَلوته، فأطاع ربه، وامتثل أمره، خوفاً من عقابه، ورغبة في ثوابه، وإن هذا المعنى مما تتنازع فيه النفس، ويوسوس بضده الشيطان، وتدعو إليه بهارج الدنيا وشهواتها، ومع ذلك تنتصر أيها الصائم بصيامك، ويتجلى إيمانك الصادق، فإن من علامات الإيمان، أن يكره المؤمن ما يُلائمه من شهواته، إذا علم أن الله يكرهها، فتصيرُ لذاته فيما يُرضي مولاه، وإن كان مخالفاً لهواه، ويكون ألمه فيما يكرهه مولاه، وإن كان موافقاً لهواه، وهذا من شأنه أن يورث خشيةَ الله، ويُنميَ ملكة المراقبة، ويوقظ القلوب الغافلة {أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى}، ولقد جعل الله لهذه المحامد، وتلك المآثر، التي يتحقق بها للصائمين تجريد الإخلاص، وتعميق المراقبة - جعل لها ثوااً متميزاً، إذ جعل للصائمين باباً خاصاً يدخلون منه، لايَشْركُهم فيه سواهم، كما في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن في الجنة باباً يُقال له الريان، يدخل منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخل منه أحد غيرهم، يُقال: أين الصائمون؟ فيدخلون منه، فإذا دخل آخرُهم أغلق فلم يدخل منه أحد).. متفق عليه، فتأمل - أخي المؤمن - هذه الخصوصية، وهذا الإعلان الذي يَظهر فيه الصائمون، ويُعرفون به على رؤوس الأشهاد، والجزاء من جنس العمل.. وتأمّل مناسبة اسم الباب (الريان) للصوم وما يحمله من معاني الرِّي والامتلاء.
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: (إن الصيام لما كان سراً بين العبد وربه في الدنيا أظهره الله في الآخرة، علانية للخلق؛ ليشتهر بذلك أهل الصيام، ويُعرفوا بصيامهم بين الناس، جزاءً لإخفائهم الصيام في الدنيا).
إن الصوم مجال رحب لتقرير الإرادة الجازمة، ومجال فسيح يتصل به الإنسان بربه اتصالَ عبدٍ مُنقاد تائب، كما أنه مجال الاستعلاء على ضرورات الجسد كلها، واحتمالِ ضَغطِها وثِقَلِها، إيثاراً لما عند الله من الرضا والمتاع، والمسلم إذا أدى الصوم كما ينبغي، وفَقِه الغايات يصبح الصوم عنده سُلماً إلى الترقي الروحي، والتسامي النفسي.. بتربية الإرادة وتقوية العزيمة يُقبل المسلم على عباداته وفرائضه بسرور ونشاط، فيذوق حلاوة الإيمان، ويجد برد اليقين، وانشراح الصدر، ويستشعر معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (أرحنا بها يا بلال)، وينطلق من إسار الحاجة المادية إلى آفاق الحرية السامية، فيغدو سيدَ ميوله ورِغابه، لا أسيرَ شهواته ورغائبه.
وقد صمتُ عن لذات دهري كلها
ويومُ لقاكُم ذاك فطرُ صيامي
وهذا الشهر الكريم فرصةٌ عظيمة للتغيير، فمن قصَّر فيما مضى، فليُشمر الآن، ومن ابتلي بمحرم فليُقلع اليوم عنه. ليُكن شهر رمضان لك - أيها المؤمن - ولي بابَ خير، نعبر من خلاله إلى منازل السائرين، ومدارج السالكين، ونجدد العهد مع الله بالتوبة النصوح، والعمل الحسن، ثم ندعُ الدنيا وأوضارها وأوزارها خلف ذلك الباب، ويكونُ الأمر كما قال القاسم بن مُخيمِرة أحد السلف رحمه الله: (ما أغلقت باب داري عليَّ وأنا أفكر في شأن من شؤون الدنيا) أي: لأنه جعل بيته محراباً من محاريب العبادة.
اللهم كما بلغتنا رمضان فتقبله منا، ووفقنا للعمل الصالح الذي يُرضيك عنا، وأعذنا من نَزَغات الشيطان، ونَزَغات النفس والهوى.
اللهم ارحم ضعفنا، واجبر كسرنا، وتول أمرنا، واعمر بالصالحات غدونا وآصالنا، ياذا الجلال والإكرام.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.