أ.د . محمد المباركي إطلالةٌ حبيبةٌ إلى قلوب المسلمين، وضيفٌ كريمٌ، تهفو إلى لقائه الأفئدة، لتقتبس من نوره، وتنال من عليائه، وتتجرّد من الرّغبات الآنية، والملذّات الفانية؛ ابتغاء مرضاة الله عزّ وجلّ وتتخلّى عن كثير من حظوظ النّفس ونزعاتها ، وتجافي بعض العادات السَّقيمة؛ ليتحقّق لها كل معاني السُّمو والرِّفعة وعلوِّ الهمَّة. إنه شهر الخيرات، وموسم النّفحات، وميدان تتسابق فيه النفوس المؤمنة إلى الجنّات، وتحقيق الأمنيات : رَمَضَانُ يا أَمَلَ النُّفوسِ الظَّامئاتِ إلى السَّلام ياشَهْرُ بلْ يا نَهْرُ يَنْ هَلُ منْ عذوبتهِ الأنام طافتْ بِكَ الأرْواحُ سَا بِحَةً كأسْرابِ الحمام ولعظيم منزلة الصِّيام في الإسلام فقد جعل الله ثواب الصّائم بابا خاصا من أبواب الجنة , يُنادى إليه الصّائم على رؤوس الخلائق تكريما له لامتثال الإخلاص في الدُّنيا ,فعن سَهْلِ بن سعد رضي الله عنه أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( إن في الجنة باباً يقال له الرّيّان , يدخل منه الصّائمون يوم القيامة ,لا يدخل منه أحد غيرهم, فإذا دخلوا أُغلِق فلم يدخل منه أحد)). وذكر الذّهبيُّ في سير أعلام النُّبلاء أنه قيل للأحنف بن قيس رضي الله عنه -: إنك رجل كبير والصوم يضعفك . فقال : إنّي أُعِدُّه لسفرً طويل. لقد أيقن سلف الأمّة – رحمهم الله – أنّ الصّوم عبادة عظيمة تقوِّي كوامن النّفس للخير, و تدفع المسلم إلى السّعي الحثيث للآخرة , فكانوا يسألون الله تعالى ستة أشهر أن يُبلّغهم رمضان , فإذا استقبلوه أحسنوا فيه, ثم سألوا الله تعالى أن يتقبّل منهم.. هكذا كان رمضان عظيما في نفوسهم , يحمل لهم كلّ الخير والسّعادة, ويأخذ بأيديهم إلى جنّة عرضها السّموات والأرض. لقد دارت كثير من تلك المعاني في وجدان الشّعراء, وامتزجت بعواطفهم الإيمانيّة, وهم يُعبِّرون عن شهر الصّيام, وفضائله ونفحاته, يقول الشّاعر محمد الأخضر في هلال رمضان, وقد تهيّأت النّفوس لاستقباله, وتاقت إلى قدومه: اِمْلأِ الدُّنيا شُعَاعا أيُّها النُّورُ الحَبِيبْ اسْكُبِ الأنوارَ فيها مِنْ بعيدٍ وقَرِيبْ ذَكِّرِ النَّاسَ عهودا هي من خيرِ العُهُودْ يَوْمَ كانَ الصَّومُ معنىً للتسامي والصُّعودْ يَنْشُرُ الرَّحمةَ في الأرضِ على هذا الوُجُودْ يَفْتَحُ الأرْواحَ للحُبِّ ويمضي بالصّدودْ وتكادُ العَيْنُ أن تَنْظُرَ مِنْ خَلْفِ الحُدودْ وتكادُ اليدُ أن تَلمَسَ أسبابَ الخُلُودْ نسأل الله تعالى أن يرزق الجميع صيام هذا الشّهر الكريم وقيامه، ويجعله شهر خير وبركة لجميع المسلمين، وأن ينصر عباده المؤمنين، ويحقّق لهم العزّة والتَّمكين.