سيرته عرفها كل الناس وشخصيته الإدارية شرّقت وغربت وأرضت الغالبية من الناس لكن أكتب لكم عن شيء لم تعرفوه وأنا مثلكم لم أعرفه. قبل أن أجالسه ردحًا من الأعوام مع جمع من أقرانه وجيرانه الكرام بداره بالريان بالرياض في عام 1415ه اصطدمت سيارة تابعة له بسيارة تابعة لي وكانت الأضرار بسيطة ورغب سائق سيارته بحضور المرور وأخذت ورقة وكتبت عليها العبارة الآتية: فرحنا بسلامة الأرواح ونسينا خسارة الدراهم وإذا كان لي الحق فالعم الوزير في حل مني وإن كان له فأنا مستعد لدفع المطلوب وأعطيتها لسائق سيارته وبعد ساعة اتصل الوزير وسلَّم وقال الحمد لله على السلامة يا صالح وكان صوته -رحمه الله- يشبه صوت أحد الأقارب. قلت الحمد لله وما أدراك يا فلان والحادث له دقائق. قال: أنا عبد العزيز الخويطر. قلت الوزير قال: نعم. قلت»: الحوادث ما بها بركة إلا هذا الحادث الذي أسمعنا صوت وزيرنا وقلت مازحًا: ما اعتدنا أن الوزراء يتصلون على الفلاليح أمثالنا. قال: لألآ أنت معروف وياليتك تشرف مجلسنا، قلت: أبشر ومتى وقت جلستكم، قال: كل أسبوع يومي الخميس والجمعة بين العشاءين وهكذا كان التواصل مع العالم الموسوعي الأديب اللطيف المعشر ومما أذكره وسجَّلت بعضًا منه في كتابي «نوادر من التاريخ» انه يعطي جلساءه كل الاحترام وإذا خرج الزائر شيعه إلى الباب الخارجي وقلت له ذات يوم: لقد أتعبتنا نريد تقليدك وعجزنا، قال: تمشون إلينا كيلوات ولا أمشي معكم خطوات. وحين زاره أخي الشيخ فهد الزمام -أطال الله عمره- وقلت له يا أبو محمد: فهد من رجال التَّعليم القدامى ومن طلبة الشيخ ابن حميد زاد في الترحيب وقال لي -هامسًا وفهد لا يسمع-: طلب التقاعد مبكرًا ولم أوافق وأتى يشفيع لا نستطيع رده وهو الأمير متعب بن عبد العزيز ووافقت. وفي قصة أخرى كتبتها بكتابي «نوادر من التاريخ» ونقلها عني الشيخ العبودي في أحد كتبه وملخصها حين شيعني إلى الباب وقفت قال: تريد شيء قلت نعم: أريد واسطتك لإدخال ابني الجامعة وأعرف أنك لا تحب التوسط وأنك تقول خلوا الناس والميدان يا حميدان حتَّى لا يأخذ الكسلان فرصة المجتهد وقلت ابني يرغب قسم اللغة الإنجليزية بجامعة الإمام وحك صدغه مفكرًا للحظات وقال يا صالح وش نسوي بالطالب اللي أبوه ما يعرف وزير، قلت: هي شفاعة حسنه ولن أعذرك وقطعا لن أثرب عليك لأن ما بيني وبينك حب في الله تبسم وقال غلبتني يا أخي اكتب الطلب وضعه بيد الحارس وأشار إلى غرفة الحارس عند المدخل وكل من ذكرت له القصة تبسم ودعا له وتم للابن ما أراد وأطالب هنا وفي كتبي أن يكون التطبيب والتَّعليم بالمجان ولا يدخل فيه التجار. ويذكرنا هذا الرجل بتواضع السلف الصالح تجد في كتبه العجب وضع صورتين لرسالتين متبادلتين بين أبيه عبد الله الخويطر ووزير الماليَّة السابق ابن سليمان كتب ابن سليمان قبل أن يتولى الوزارة خطابًا وفي مقدمته: حضرة العم المكرم عبد الله الخويطر والخطاب الثاني كتب عبد الله الخويطر والد الوزير وكان مدير ماليَّة مكة يقول بأول الخطاب العم المكرم عبد الله بن سليمان. لو لم يكن الوزير في قمة التواضع لوضع الخطاب الأول وأخفي الثاني وحدثني أحد مديري التَّعليم يقول طلبت مبلغًا من الوزارة لتجديد أثاث مكتبي وذهبت إليه ليوافق وحين رأيت أثاث مكتبه أقدم عمرًا من أثاث مكتبي استحييت وانصرفت وناداني قال: ما جاء بك قلت للسلام قال: أنت سلمت علينا قبل أيام أخبرني بالحقيقة أخبرته وضحك وقال: الأولون إذا مدحوا شخصًا يقولون ترى بالعباءة رجال يعني المهم الرجال لا العباءة وأنت المهم العمل وليس الأثاث. وكان مجلسه -رحمه الله- مجلس هدوء وأدب ومزح بريء وتاريخ لا ينسى لولا خشية أن العم خالد المالك يزعل من الإطالة ولا ينشر المقال لذكرت شيئًا عجيبًا من هذا الوزير العجيب قلت له ذات يوم مازحًا: أنا أسميك الوزراء الخويطر كما كانوا يقولون للدكتور زكي مبارك الدكاترة زكي مبارك لحصوله على ثلاث شهادات دكتوراه وأنت بالعطلة تمسك بوزارتك ومعها وزارتان قال معها أحيانًا أربع وزارات قلت سبحان من عطاك هذا العزم والحزم وبركة الوقت قال يا صالح متعة الناس بالراحة والحمد لله أجد متعتي بالعمل، حدثت أحد جلسائي من الشيبان بذلك وعلّق قائلاً: أنا بالثمانين من العمر سجَّل عني يا مؤرخ أني أقول الدَّوْلة وحنا يالشعب محظوظين بعشرات الرجال الأفذاذ العقلاء والدليل على رجاحة عقولهم أن الملوك لا يفرطون فيهم حتَّى يأخذ الله أمانته قلت مثل من؟ قال سفيرنا السابق في مصر فوزان السابق -رحمه الله- والوزير عبد الله السليمان الحمدان -رحمه الله- المشهور بابن سليمان ومحمد النويصر رئيس الديوان السابق -رحمه الله- والسفير محمد الشبيلي -رحمه الله- وصاحبك عبد العزيز الخويطر -رحمه الله- ومن الأمراء عبد الله بن مساعد أمير الشمال قاربت خدمته السبعين سنة وأرضى ستة ملوك ولا يضع حجابًا ولا أحجارًا بالشوارع.. رحم الله من مضى ومتع من بقي بالصحة والعافية ومن قرأ ما كتبنا هنا ومن سمح بنشره ومن ترحم على صاحبنا الخويطر وحسبنا وحسبه الله ولا نزكي على الله أحدًا.