يأتي تكريم خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز أيده الله لصاحب المعالي الدكتور عبد العزيز الخويطر وزير الدولة وعضو مجلس الوزراء بعد الموافقة السامية على ما قررته اللجنة العليا المنظمة للمهرجان الوطني للتراث والثقافة بالجنادرية في دورته الرابعة والعشرين على أن يكون معاليه شخصية العام المكرمة، بمثابة التكريم الحقيقي لشخصية أفنت فكرها وروحها الثقافية في أثراء الساحة الفكرية والثقافية في المملكة، ويعبر بذات الوقت عن اهتمام ولاة الامر والقيادة الرشيدة بتكريم الرموز الفكرية وقادة العمل الثقافي والسياسي بذات الوقت بصفة أن الدكتور الخويطر وزير للدولة وعضواً بمجلس الوزراء. وقد تسلم د. الخويطر وسام الملك عبد العزيز من الدرجة الأولى. وبهذه المناسبة وجه صاحب السمو الأمير فيصل بن عبد الله بن محمد آل سعود وزير التربية والتعليم التهنئة لمعاليه بهذا التكريم الذي يستحقه، مؤكداً أن هذا التكريم هو وسام لكل تربوي من منطلق الدور الرائد لمعاليه في قيادة معاليه للعمل التربوي إبان تسلم معاليه مهام وزارة التربية والتعليم، وقد تحقق لتعليم في وزارته الكثير من المنجزات والمكتسبات التي تعتبر منعطفاً مهماً في مسيرة التربية والتعليم، وقال سموه باسم كل معلم ومعلمة وطالب وطالبة أبارك لمعاليه هذا التكريم سائلاً الله أن يمد في عمره على طاعة الله، وأن يواصل مسيرته في خدمة هذا الوطن وأبناءه. ويعتبر د. الخويطر من المفكرين الذين لهم بصمات واضحة في مسيرة العمل الثقافي في المملكة ومن نتاج معاليه الأدبي خمسة مجلدات بعنوان ( أي بني ) وهي بمثابة الموسوعة التراثية الكاملة، ومن مؤلفاته كتاب (وسم على أديم الزمن) وهو عبارة عن سيرة ذاتية، وأصدر معاليه مؤخرا كتاباً تحت عنوان ( النساء رياحين ) تحدث فيه عن تأثير المرآة أما ودورها الحقيقي والمأمول، ومعالي الدكتور عبد العزيز الخويطر من مواليد محافظة عنيزة بمنطقة القصيم وأتم دراسته الابتدائية في مدرسة العزيزية بعنيزة أولى المدارس النظامية في نجد. وسم على أديم الزمن في كتابه ( وسم على أديم الزمن) عكس د. الخويطر سيرته الذاتية بشكل قصصي وأستعاد فيها الكثير من الصور عن اماكن وأزمنة ماضية كما تتضمن العديد من المعلومات الهامة التي وثق بعضها بالأرقام والاحصائيات التي يمكن أن تضيئ للشباب بعض ما يجهله عن الماضي من عادات وتقاليد ونظام حياة وعمل وجوانب اجتماعية وتاريخية عديدة. حيث تحدث عن حياته في عنيزة ذاكرا بعض الملامح من تاريخ والده ومؤكدا على حبه لوالدته واقراره بفضلها اضافة الى نبذة عن ولادته ورضاعه واشار الى عمته موضي التي اخذت حيزا من فؤاده الى جانب والدته. ويستطر د. الخويطر في ذكرياته فيقول" اذكر بغبطة ان تسامح والدتي، وحسن تعاملها مع غيرها، نفعها، فكانت بعد ان عرفها من حولها محترمة من الجميع، وكلهم في كبرهم ذكروا لها هذا، واعترفوا بالميزات التي اتصفت بها، ومنها رجاحة العقل، والصمت والهدوء، والصبر والتحمل، وحسن الظن بالناس، وكأن مبدأها مع من بدا منه ماينتقد هو: (لعل له عذرا وانت تلوم). وكان الجميع يدعون لها في آخر حياتها، ويترحمون عليها بعد مماتها، وهي، في نظري، امرأة فريدة رحمها الله ويمكن ان يُكتب عن حياتها مجلد ضخم ممتع، يبين ما فيها من مزايا وهبها الله لها، ونعم من الله بها عليها، ومن رأى افعالها وتصرفاتها لم يستغرب تميزها، لانه سيدرك ان طيب محتدها، واستعدادها للتفوق الخلقي، والبيت الذي تربت فيه، والبيئة التي درجت على ارضها، كان له الاثر الحسن بعون الله سبحانه وتعالى. والده عبدالله العلي الخويطر ( رحمه الله) والدي عبدالله العلي العثمان الحماد الخويطر، لا ادري متى بدأت اميز والدي من بين من حولي، لانه كان كثير الاسفار قبل ان يتقدم به السن، ويلتحق رسميا بخدمة الملك عبدالعزيز رحمهما الله ولهذا فمعلوماتي عنه في طفولتي المبكرة قليلة، بعضها رسمته مما سمعته عنه من بعض أهلي. في وقت من الاوقات بدأت اشعر بحبه لي، وعطفه عليّ، ولا اذكر في أي سن كنت عندما برني ببيضة مسلوقة، والبيض لايؤكل عادة، وانما يُجمع للتفريخ، او يدخر لعمل الكليجا، وهو نوع من البسكويت مما يأخذه الحجاج، او غيرهم من المسافرين معهم، ولهذا، وبمقاييس تلك الايام يعد مافعله رحمه الله عطفا مميزا. واذكر اني، وأنا صغير، ادخلت اصبعي في جحر في الارض، وقرصني شيء، قد تكون عقربا، وكان ذلك قرب اذان المغرب، فاهتم بأمر اسكاتي من البكاء الذي ملأ البيت، ثم اخذني الى الشارع، ووضعني على عتبة دكان (أبي غنّام) واخذ يهدؤني، ويعدني بأنه سوف يذهب ويحضر لي (قعيدا) (حويرا) وسكت، لان ذهني انصرف بكليته الى هذا الوعد المغري، واخذت اتخيل القعيد ولعبي معه، ولعبي عليه, ونسيت ما كنت اشكو منه، ولعل اغلبه كان رغبة مني في بقاء العطف، وليس الألم، وذهب هو رحمه الله الى الصلاة، وقد نسيت الوعد بعد وقت قصير. لا ادري اذا كان جدي قد تزوج قبل جدتي، ولكن كون اولاده وبناته كانوا اشقاء فهذا قد يدل على ان والدتهم هي اول زوجة له، وهو لم يتزوج غيرها، واكبر اولاد جدي والدي، وهناك عمي ابراهيم، وعمي عثمان، وعماتي الثلاث: حصة وقد تزوجت محمد الناصر العوهلي، ولها منه ولد هو العم عبدالله وتوفيت صغيرة نوعا ما، وعمتي مضاوي اصغر من عمتي حصة، وتزوجت حمد الابراهيم القرعاوي، ولها منه ثلاثة اولاد: صالح وعبدالله وعبدالرحمن، وعمتي موضي ولم تتزوج، اما عمي عثمان فتوفي صغير، كانت بداية تعليم والدي في كتاب صغير ملاصق لبيتنا، في حي الهفوف، واسم صاحبه هو: (فلان الحيدان)، وقد يكون اسمه (سالم)، وله ابن اسمه عبدالله، خَلَفَهُ في المدرسة، ودرست عنده يوما واحدا. وحكاية دخول والدي كُتاب (الحيدان) علمت بها من قصة طريفة روتها لي عمتي موضي، قالت حدثت الحادثة بين والدي والمطوع (الحيدان) الشايب، فقد ملأ والدي، مثل بقية الشبان في زمنه، وبعد زمنه، ساعديه وساقيه (بالقداح) (المكاوي)، وهي حروق تحدث للساق او الساعد، وطريقتها ان توضع خرقة مطوية على العضو المراد كيه، ثم يوقد اعلاها، وتأكل النار الخرقة تدريجيا حتى تصل الى الجلد، فتنطفىء نتيجة لانتهاء الخرقة، وللبلل الذي احدثه الحرق في الجلد، فيقشر الجلد المحترق بكل رباطة جأش، ويملأ مكانه (بطفو رماد) الخرقة، ويتم هذا امام ملأ من الشباب، ليشهدوا شجاعة (المقدح). وهذا العمل الوحشي وراءه اعتقاد بانه يشد عضلات الساعد، فلا تهتز يد صاحبه عند الرمي بالبندق، واذا كانت (القدحة) في (هبرة) (عضلة) الساق فهي تضمن لصاحبها انه لايغلب في سباق الجري، والمنطق يؤكد خلاف هذا، فهذا خلل في التكوين الطبيعي للعضوين، مما جعل كلا منهما لايقوم بعمله على الوجه الاكمل. المطوع و(قداح) أبي: كان ساعدا والدي مملوءين بالقداح، والقداح من النوع (المعبس) أي الذي انعقد مكان الحرق فاصبح ناتئا مثل (العبسة) (النواة)، وهو مظهر متناه في الشجاعة، لان بعض الشباب، وهو يُقدح يطفىء الوقدة قبل ان تصل الى الجلد، ويكتفي من الحرق بما يمكن من قشر الجلد فقط. كانت قداح والدي ملأى بالقيح (مستلطمة)، وكان المطوع كبير السن، ويجهده القيام لاسكات ضجيج الصغار، والقضاء على شغبهم او اهمالهم، او تركهم الدرس والحديث بينهم، فيلجأ الى وسيلة تفي بالغرض! لقد وضع بجانبه (جذمارا) يصل الى ابعد تلميذ في المكان، ومع كبره، وضعف يده، وسوء تقديره للمسافات، وقصر نظره، وجه (الجذمار) (الرمح ) الى تلميذ مذنب في نظره، وبدلا من ان ينزل الرمح على ذلك التلميذ انزله على قداح والدي، (فماعت كبده) من الضربة على القداح، واحرق قلبه الالم، وجن جنونه من الوجع، وهاله الدم الذي (ثعور) (اندفع) على كمه، واندفق كأنه نافورة، فقفز والدي من مكانه، وانقض على الشائب عضا، وانهال عليه ضربا وركلا، وكان يبكي من الالم، فتبعه المطوع بالبكاء مما جاءه، واخذ الاثنان يبكيان، وعمت الفوضى المدرسة، وعلا الصراخ، فلفت هذا سمع عمّة أبي، واسمها مريم رحمها الله فاسرعت، وانقذت الموقف وفكت الاشتباك، وسحبت والدي خارج المدرسة، واعادته الى البيت، ولا ادري اذا كان الوالد قد عاد الى المدرسة مرة ثانية أم لا. من المؤكد ان والدي قد تابع دراسته بعد ذلك، بدليل ماوصل اليه من معرفة، وجمال اسلوب، وحسن خط، كانت ثقافته متقدمة، وكان متحدثا لا يُمل مجلسه، ولا ادري اذا كانت قد التحق بحلقات تدريس في الجامع، او في الاحساء أو في البحرين أو في الهند. لم يكتف رحمه الله بتثقيف نفسه، بل كان يساعد بعض اصدقائه ليتعلموا، وقد اخبرني العم علي العبدالعزيز العجروش رحمه الله وهو أحد موظفي المالية في مكة، ان والدي هو الذي علمه القراءة والكتابة في الهند حيث تزاملا هناك. ويستطرد د. الخويطر في ذكرياته عن والده، فيقول أن والده ( رحمه الله ) سافر الى الهند وعمل فيها ردحاً من الزمان، واصبح رحمه الله في مرحلة من المراحل مسؤولا عن البضائع في الموانىء المورد اليها، والمصدر منها، وهي مهمة ليست سهلة، وتحتاج الى نشاط متواصل، وحسن سياسة وتصرف، ومعرفة بالناس، وطبائعهم، ومعرفة بالطرق الملاحية وشركاتها، ومايسبق ذلك ويتبعه من خطوات، وهذه في حد ذاتها ثقافة واسعة، ومهمة متجددة، وقد نفعته هذه المعرفة عندما عاد الى المملكة، فالهند في تلك الايام بالنسبة لجزيرة العرب والخليج وعدن هي العالم كله، ولهذا لم يكن عسيرا عليه ان يختار البضاعة الرائجة المطلوبة، ويعرف مصادرها، وتكاليفها، والى اين تُوجه، ومن أي طريق تجلب، ويعرف اتجاهها، والسوق المناسب لها، والوقت المختار لبيعها. أمور روحية وفي كتابه ( وسم على أديم الزمن ) كتب د. الخويطر في احدى مقالاته عن الامور الروحية فقال فيها " قطع الإنسان شوطاً بعيداً في الإنجازات المادية، فاخترع وطور، وصور وغيّر، وابتكر ما كان فيه راحة لأبناء جنسه، وما كان فيه تفوق بصرف النظر عن فائدته أو مضرته. أبدع في البناء، وفي رَصّ الطرقات، وفي نصب الجسور، وفي إنشاء الموانئ، واخترع بواخر تمخر العباب، يزيد في تحسينها سنة بعد أخرى، واخترع الطائرات وطورها، واخترع الهاتف، ووسائل الاتصالات المتعددة، وبهر العالم بالحاسوب، وقبل هذا وذاك قدم للعصر الحديث الكهرباء عماد كل ما هو مظهر من مظاهر حضارة اليوم. ولكن الإنسان وقف حائراً أمام الأمور الروحية، لا يستطيع أن يزيد من وصف ما ظهر منها كما ظهر، أما كنهه فبقي لله وحده، تنافس الأمريكان والروس في وقت مضى، ولم يبعدوا عن مكان البدء كثيراً.. الأنبياء جاؤوا من عند الله بالمعجزات، التي لم يستطع الناس معرفة كيف أمكن أن تتم، وآمن المؤمنون تقوى وطاعة، وسلموا بما جاء به الرسل، واكتفوا بالإيمان، واطمأنوا إلى ذلك، فإذا حدث لأحدهم أمر من الأمور الروحية اكتفوا بمظهر الأمر، ولكنهم الآن يحاولون أن يقارنوا الحوادث لعل المقارنة توحي لهم بشيء من القواعد التي تسير في حدودها هذه الأمور. كان الغربيون يهزؤون بتاريخ المسلمين الذي يروي قصة الخليفة الراشد عمر بن الخطاب ومخاطبته لسارية، على بعده منه، وسماع سارية لأمر عمر، وانصياعه له، وما أتى منه من نتيجة متوخاة، ثم لما أحصوا من الحوادث التي تماثل موقف عمر، عادوا إلى قصته، وصاروا يفتتحون بها كتبهم عن «التلبثي» ويضعونها أمامهم للدراسة، ووضعها في إطار ما جمعوه أملاً في أن تفتح لهم بابا يلجون منه إلى عالم الروحانيات المقفل. أورد سبط ابن الجوزي قصة عمر مع سارية، في كتابه: «الجليس الصالح، والأنيس الناصح» فقال رواية عن أسلم عن أبيه، قال: «خرج عمر بن الخطاب يوم الجمعة، فصعد المنبر، ثم صاح: الجبل يا سارية الجبل: الجبل : يا سارية الجبل. قالها مرتين.. ثم خطب، فأرخت تلك الساعة، فوصل سارية من نهاوند، وبين نهاوند والمدينة مسيرة ثلاثة أشهر، (وقال): إن العدو نزل الوادي، فكمن لنا، فسمعنا صوتاً يقول: الجبل الجبل، فصعدنا إلى الجبل، فملكنا العدو، فقتلنا وأسرنا، وفتح الله علينا، وفتحنا البلد، فنظروا، فكان اليوم الذي صاح فيه عمر. فقيل لعمر: ما كان الكلام الذي قلته. فقال: والله ما ألقيت له بالاً، وإنما شيء جرى على لساني. الرياحين في كتابه ( الرياحين ) عكس د. الخويطر، حضور المرأة في تراثنا العربي، من خلال ما أورده الكتاب عن المرأة من مواقف إشعاعية في حياة الأمم والشعوب، وما سجلته المرأة من أمثلة ستظل محفورة في ذاكرة الأيام، وما شغلته المرأة من مساحات ضوئية شاسعة الإشراق.. والتي امتدت بكل هذا وذاك إلى المساهمة الفاعلة في حياة الشعوب بدور بارز أثبتت بأنها نصف الحياة.. من خلال ما مارسته المرأة عبر دورها المضيء الذي أدت من خلاله رسالة اجتماعية مضيئة أسهمت في حياة الأمم، وظلت خالدة في مضمار البناء والفخر والإعجاب. لقد قدم د. الخويطر في إصداره عن الرياحين ضربا من ضروب الالتفاتة إلى المرأة الأس الناهض في الحياة.. والنواة الاجتماعية التي نجحت في إدارة دفة الحياة إلى جانب الرجل الأب.. الزوج.. الأخ.. الابن.. من خلال ما سجلته من شهادة على ذلك الدور عبر مشاهد جلية في تراثنا الإسلامي والأدبي.. ذلك الدور الذي لا يزال في تنام مستمر كلما استجدت عصريات الحياة، وكلما ادلهمت خطوب الدروب ومشقاتها. لم يقف (النساء الرياحين) إلى جانب امرأة لمجرد الوقوف، ومن قبيل رصد الحكاية والقصة، وإنما كان د. عبدالله يشير إلى مصادر تلك القصص والأحداث، التي من خلالها يقدم للقارئ ما لا يقبل الشك.. عندما يورد د. الخويطر العديد من القصص للرياحين مما حفلت به السيرة النبوية، ودعمته نصوصها، مما يجعل الحديث عما حفل به دور المرأة ليس من قبيل رصد القصة، وليس من قبيل الامتاع والمؤانسة بذلك الدور.. بقدر ما هو استجلاء وقراءة بعلمية مطلع على ما أدته الريحانة في ميادين مختلفة مما حفل به تراثنا الأدبي.. حيث قدم د. الخويطر للقارئ ما يشبه بوابة يعبر من خلالها القارئ إلى كل موقف، ليضع القارئ مرة أخرى أمام دوري بطولي هنا، وثان يدل على رؤية ثاقبة للمرأة، وآخر يؤكد حكمتها وشجاعتها في حسم المواقف أو التعامل معها.. كل هذا وصولا بالقارئ إلى خلق صورة لريحانة اليوم، صورة تتكئ على حضور المرأة في أعماق التاريخ.