ما أن يُذكر صوت فيروز إلا ويُذكر صوت الرحيل، والغياب، وموت الضحكات ع الحيطان. حيثما وليت سمعك، وقلبك في أغنيات السيدة الاسطورة، ستمسّك أوجاع المخيمات والتهجير، والفرار من الحروب والقصف الذي لا يميز بين الخير والشر ،فقد تساوى في ميزان المقتتلين الموت والحياة، القبح والجمال. مع كل شظية تطيش في المكان، هناك إنسان عالق بين الموت والنزوح، بين الموت المجاني أو الرحيل باهظ الثمن عن الأرض، والبيت والذاكرة والزمان كله... لا حاجة ل «الأسطورة» إلى من يتحدث عنها ببضع كلمات ترتبك أمام ريادة التجربة وعظمة الصوت، لكن أوضاعنا الإنسانية المتردية في العالم، وفي العالم العربي بالتحديد، تجعل من فيروز المليئة بالمخيمات حاضرة بكل قداسة الأحزان، لتشدو: عن الذين هربوا بالنسيان وتركوا الضحكات على الحيطان عن الناس الذين اختفوا شيئاً فشيئاً تاركين خلفهم وحوش الخراب تلتهم المكان والذكريات. وتقتل شادي..... وهكذا وجدت فيروز نفسها تحمل صوتها المبلل بالمحبة الأزلية، في مواجهة كل الذين اتخذوا من مدارس الأطفال ثكنات عسكرية، ومواقع استراتيجية لتمركز القناصة الأنذال. وهكذا عاشت، لتهزم بصوتها الحنون، كل الذين حولوا السلام إلى غاية لا تدرك، والأمان إلى ذكرى، والحرية إلى حفنة من المال، والمدائن إلى ركام من بذاءة الحروب الأهلية، تلك التي اكتفى بها غزاة نسيناهم. هذا ما تناهضه فيروز وهي تغني: يا صوتي ضَلَّك طاير خبِّرهم ع اللي صاير بلكي بيوعا الضمير. إن معاناة اللجوء وقحة وقاسية جداً ومُذلِّة، ولقد رهنت فيروز صوتها لنصرة أولئك المظلومين، الذين تم اجتثاثهم من أرضهم لأسباب صراعات دولية أو إقليمية بعضهم لا يعرف عنها أي شيء، إلى كل العرب الممتدين في طابور واحد من مخيم المغازي 48 إلى الزعتري 2012. بمشاعر غريبة جدا، أتذكر هنا ما قالته فاطمة (صديقة من اللاذقية) حين سألتها عن فكرة الرحيل في ظل الظروف الراهنة؟ فأجابت: (قد نرحل حين يكون الأمر بإرادتنا المطلقة، لكن لن نهرب، لن نهرب لو نموت).