اختصر الفنان محمد الخبتي مسيرته التشكيلية التي تجاوزت ربع القرن بمعرضه الشخصي الأول الذي عنونه ب (حافة الغسق)، وجاء هذا المعرض تلخيصاً لمسيرة الفنان الذي بنى فيها ثقافته الفنية والعامة بشكل جيد ومميز من خلال المتابعة وسعة الاطلاع، وقدم فيها أعمالا تباينت بين الواقعية والتأثيرية والتجريدية في معارض جماعية ومشتركة ومشاركات بعدد من المسابقات. جاء معرض حافة الغسق بمجموعة أعمال بالألوان الأكريلك والمعالجة بمعاجين ووسائط متعددة مضافة لأسطح الأعمال وتباينت أحجام الأعمال بين المتوسطة والصغيرة، وقدم الفنان أعماله على شكل منظومة من لون وتقنية مرتبطة ببعضها في خدمة قضيته الإنسانية التي اشتغل عليها في أعماله السابقة وكانت تلامس الإنسانية المسحوقة فينا من خلال مجموعة أعمال عنونها سابقاً (بأشلاء) وبطرح إنساني يحمل كثيراً من الألم والمعاناة، وهو ما جعل معرض حافة الغسق أكثر نضجاً في طرحه الإنساني وحتى اللوني فغلبت على أعماله درجات اللون البني الذي ظهر بشكل منهك ومرهق مقارنة بالألوان العميقة التي كانت أكثر حيوية وحركة التي ظهرت من خلال شقوق وخدوش بشكل مقصود أو عفوي على تضاريس سطح العمل، ولعل صدق الفنان مع عمله ومع نفسه جعل انتماء أعماله له كبير ومشابهتها لشخصيته ذات الثقافة العميقة والصمت والحياد الظاهري، فهو يعمل بصدق وبحب لما يعمل ويبدع بصمت، وبالعودة لمنجزه في معرض حافة الغسق نجد بحثه المستمر في الخامات والتجريب في إظهار أسطح متنوعة الملامس التي ظهرت بشكل منتظم ومتكرر في بعض الأعمال بإيحاء زخرفي وتزييني، وظهرت أيضاً بعض أعماله بأشكال وأسطح أكثر حرية وتجريباً وتنوعاً في تكويناتها بخامات ووسائط متنوعة جاءت على هيئة كولاج أو عجائن لونية وأخرى تأسيسية، أما حضور البورتيرهات في عدد من أعماله كان غير متجانس مع الجو العام للأعمال وظهرت بشكل مؤكد خارج بها قليلاً عن سياق التجربة, وعلى الرغم من تعدد الوسائط وتنوع التكوينات بين زخرفية منتظمة وأخرى حرة ومنطلقة وحتى بحضور الحرف العربي بشكل مجرد من معناه -والإبقاء على جسد الحرف - إلا أنها تتفق جميعاً في تماسك بنائية العمل وتجانسها وانسجامها البصري وهو ما يؤهل أعمال الخبتي أن تكون ذات أحجام أكبر أو أعمال جدارية، فبنائية أعماله وتكويناتها ظُلمت في مقاساتها ذات الأحجام الصغيرة، وفي مجمل أعمال الخبتي بالمعرض يظهر وكأنما هو واقفاً على حافة الغسق يتلو من ورد الذكريات ويستجلي شيئاً من بقايا أشلاء نبضت من تحت أكوام الركام، فثارت بحب حمم العاطفة وبراكين الإحساس وحفرت أثرا في جسد انسحق بين حرف وترس وأضحت همسات الذكريات ونسمات الآهات تشع نوراً ولوناً عميقاً من تحت رداء المعاناة.... ثورة إحساس ومنظومة عشق كانت في حافة الغسق.