عندما نتحدث عن الطلاق فإننا نتحدث عن مشروعية رخصة ربانية لا تُستخدم إلا في حالة الضرورة والعجز عن إقامة المصالح بين الزوج والزوجة، واستمرار التباعد الفكري بينهما بحيث يصعب على كل منهما الاستمرار في بناء البيت الأسري الناجح، لهذا شرع الطلاق كوسيلة للقضاء على تلك المفاسد. وليس الطلاق هو الوسيلة الوحيدة لدرء الاختلاف الأسري، بل قد يتعدى ذلك إلى ما هو أبعد، حيث إن الطلاق قد يسبب فجوة كبيرة يعود ضررها على جميع أفراد الأسرة من أبناء وأمهات وآباء. والطلاق قصة اجتماعية أبطالها الزوج والزوجة، وضحاياها الأبناء والمستقبل الذي قد يتدهور في رؤية الأبناء مما يعيقهم عن إكمال طريق مستقبلهم ومعايشة الحالات النفسية التي قد يعيشها الأبناء في المجتمع.. وهذا يؤثّر على العلاقة الأسرية بصفة خاصة وعلى بقية الأطراف بصفة عامة، فليحقهم الأذى النفسي والمعنوي لفترات طويلة مما يترتب عليه خلل في التركيبة الشخصية لأفراد المجتمع. لذا الإسلام كرَّه الطلاق ونفَّر منه، كما قال عليه الصلاة والسلام (ما أحلَّ الله شيئاً أبغض إليه من الطلاق)، أو كما قال عليه الصلاة والسلام. والحياة الزوجية لها قدسية خاصة لا بد من احترامها.. فهدم هذه الأسرة ليس بالأمر السهل كما هو اعتقاد البعض من الطرفين، يقول الله سبحانه وتعالى: {وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا}. وكما سبق وأشرت أن الطلاق مشكلة اجتماعية نفسية، فهو من الأشياء المكروه وقوعها لأتفه الأسباب، وكأن هذا الميثاق من السهل نقضه. وللطلاق أسباب وكل منها قد تجد له حلاً، فيجب التمسك بهذه الحلول حتى لو تنازل أحد الطرفين للآخر.. وهناك أسباب ليس لها حل ولا يستطيع أحدهما أن يتغاضى عنها، ومن أمثلتها الخيانة الزوجية - عدم التوافق الفكري - الطباع والانسجام الروحي والعاطفي -. أما المشكلات اليومية فهي موجودة في كل الأسر، وهي كملح الطعام، وهي طبيعة الحياة. ولكن الأهم من المشكلات هو احتواء المشكلات وعدم إعطاء الفرصة للتدخلات الخارجية، سواء على مستوى الأهل أو الأقارب أو غيرها، لأن التدخلات قد تضخم الأمور الصغيرة وتسد الطرق أمام الحلول.. والكل يعلم أن الطلاق حق من حقوق الرجل ولكن للأسف الشديد عند وقوع مثل هذا الأمر تجد أن اللوم ينصب على المرأة في اهتزاز عرش الأسرة وانهيارها، مفندين ذلك أنه كان يجب على المرأة أن تصبر وتتحمل، ضاربين بعرض الحائط ما للمرأة من حق في الدفاع عن نفسها.. فتجد المطلقة نفسها بين أضراس المجتمع الذي لا يرحم، ملقياً اللوم عليها وأنها امرأة فاشلة ليس لها رأي في مسببات هذا الطلاق، محسوبة خطواتها، وهي لا تستطيع أن تمحو لقبها الجديد الذي أصبحت تحمله وكأنها عار في حياتها.. اسم لا تستحق سماعه اسم (مطلقة)، عجبي على أي مجتمع يسند هذا اللقب وكأنها خلقت له ويتلفظ بها وكأنها كلمة تدل على الذنب أو النقصان.. اسم أصبح يلازمها في جل حياتها، تعيشه في الليل والنهار، أصبحت تعيش نوعين من الحرمان داخل المجتمع، بل للأسف داخل أسرتها التي تشير أصابع الاتهام لها وكأنها ارتكبت جرماً لا يغفره الزمن، إهانات متتالية، تجريح بالقول، نظرات قاتلة تجدها من معارفها وأقرب الناس إليها، ناسين أن اللوم إن أشير إليه فيجب أن يُشار إلى كلا الجنسين دون استثناء.. إن توجيه اللوم والإهانات ضد المرأة إنما هو إجحاف في حقها واعتراض صريح على مشروعية الطلاق الدينية، قال الله تعالى: {وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللّهُ كُلاًّ مِّن سَعَتِهِ وَكَانَ اللّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا}، فمشروعية الطلاق شرعت لدرء الفتن. إن ما تتعرض له المطلقة من معاناة نفسية بعد الطلاق تعود عليها بوابل من التوتر والقلق والاكتئاب، وقد يصل إلى الحقد على المجتمع والخوف من ذكر (رجل أو زوج) أمامها لأنها تجد أن هذا الاسم سبب مباشر في هدم آمالها، فهي منذ نشأتها وهي تحلم بفارس أحلامها وطلب الستر والوصول إلى قمة الهرم في السعادة وبناء أسرة إسلامية متينة تجعل للحياة طعماً خاصاً بجود زوجها وأبنائها في بوتقة تعلو هامتها أجمل أنواع الورود وأزكى رائحة السعادة، وفجأة تجد نفسها في منأى عن ذلك كله. لقد قالت لي إحدى المطلقات قصة أسى لا تصدق وإن صدقت فهي جريمة.. في إحدى ليالي الشتاء الباردة الممطرة - تقول - وجدت نفسي فجأت عند باب أهلي مطرودة وأبنائي صراخهم أقوى من زخات المطر ودوّي الرعد، وما هي إلا لحظات حتى هدأت العاصفة وتحاملت على نفسي حتى طرقت الباب متأملة أن أجد الحضن الدافئ ليعيد لي نبضات قلبي المتسارعة، صرخت: زوجي طلقني.. يا للعجب وكأني فجرت كيان هذا البيت، ابتعدتْ عني الأيادي.. يا إلهي ما أقسى ظلم الأهل، بقيت في بيت طفولتي وعز شبابي غريبة مهانة.. لا تخرجي لا تتكلمي لكي لا يقول الناس في بيتنا مطلقة! عجبي على هذا البيت أو من مثله. مع أن المطلقة تحتاج إلى فترة كافية تعيد فيها ثقتها بنفسها، وإن كانت مخطئة فالفترة الزمنية كفيلة بالتخلص من أخطائها، فالبشر يخطئون وليس في هذه المعمورة من لا يخطئ، فيجب أن ندرك ونراعي الحالة النفسية القاسية لمن فقد الزوج والأبناء والفراغ المصاحب لذلك ولنحاول شغل ذلك الفراغ بإعطائها الأمل أن الدنيا لن تقف بمجرد (طالق). وأخيراً أن لا نعرض المطلقات لأي نوع من أنواع الجفوة من قبل الأهل أو الأقارب، ولندرك أن الطلاق قد وقع في الكثير منذ عهد الرسول محمد عليه أفضل الصلاة والسلام إلى عصرنا هذا.