كانت وردةً تفوحُ بأريج الشباب، وكانت تُشِعُّ نضارة وحيوية، وكان قلبها يفيض بحب الأخريات لها، وكانت تزرع الفرح في محيط أسرتها.. "أم أحمد " كانت سعيدة قبل أن تكون"مطلقة"، لتعلو الكآبة محيّاها ويعتريها صمتٌ يفضح بؤسها وشقاءها، ويرسم في عينيها رغبة جامحة بالتمرد على من حولها.. ومع أنّ "أم أحمد" كريمة أسرةٍ ثرية، إلاّ أنّها ارتضت بالزواج من رجل فقير، ضاربةً بعرض الحائط الرفض القاطع من قبل الأسرة، حيث كانت تحبه، وترى فيه فارس أحلامها، وأنجبت منه زينة الدنيا وزهرتها، وهامت به فوق هيامها، لدرجة أنّها وهبته قطعة منها بعد أن أصابه الفشل الكلوي، وتعافى، وعاد فارساً كما كانت تراه دائماً، ودارت الأيام وأصيبت "أم أحمد" بفشل كلويٍ، وحين رقودها على السرير الأبيض متوسمةً من فارس أحلامها الوقوف بجانبها، تفاجأت به يقدم ورقة طلاقها، معللاً ذلك بعدم قدرته على الاهتمام بالأطفال لوحده، وأن عروسه الجديدة اشترطت أن يطلقها ليتفرغ لها ولأبنائه. حريّة! "أم أحمد" لم تكن وحيدة في المعاناة فقد شاركها عدد من بنات جنسها، فهذه "خلود" التي لم تمكث مع زوجها سوى (6) أشهر، قبل أن يطلقها؛ لأنّه كان يرى في الزواج نوعاً من القيود، وهو الذي اعتاد على الحرية، ورغم محاولاتها الشديدة في إقناعه بأهمية بناء الأسرة، إلاّ أنّه كان شديد التمسك برأيه. خاين العشرة وبدموع انسكبت على وجهها قالت "هدى" إنّها تعمل في مجال التدريس، وأنها ساعدت زوجها في بناء منزل عن طريق الاقتراض، إلاّ أنه وبعد اكتمال بناء المنزل وتسجيله باسمه تزوج بأخرى، وألقى بها في الطريق بعد (10) سنوات من الزواج.. وقالت "فاطمة" إنّ زوجها طلّقَها بعد عامٍ من الزواج؛ لأنه كان ينقاد لأوامر والدته، التي كانت تتدخل في شؤونه الخاصة. فشل المشروع فيما بيّنَت "أم خالد" أنّها وقعت في حبال الطلاق بعد أن أنجبت من زوجها (4) أطفال؛ لأنه لم يكن على قدر المسؤولية، وكان كثير الشغب يفتعل المشاكل، إضافةً إلى عدم أدائه الصلاة، فهجرته، لأن الطلاق بالنسبة لها أفضل من العيش معه، مشيرة إلى أنّها بحثت عن عمل تقتات منه، وأخذت قرضاً من إحدى الشركات لإنشاء مشروع صغير، إلاّ أنّ المشروع أصابه الفشل. نظرة المجتمع ولا يقف الأمر عند الانفصال فحسب، بل تنكوي المطلقة ألف مرة بنار الفراق، ويزيدها ألماً وهمّاً حديث من حولها عنها، فالمطلقة ليست كأي النساء، فلا أحد يود الحديث معها ولا التقرب إليها، ولم تعد هي المحبوبة، التي يفضل الجميع مجالستها والتسامر معها، يهجرنها صديقاتها وكلهن خوف من أن يوصفن بمصاحبات المطلقة، وكلٌ يرمقها بنظرات اختلفت في مقاصدها ونوايها. ارتفاع نسبة الطلاق وقد ارتفعت نسبة الطلاق في المملكة خلال الأعوام السابقة بنسبة 20%، حيث سجلت المحاكم ما يقارب ال (13) ألف حالة طلاق خلال العام الفائت، وبلغ عدد المطلقات من الفئة العمرية (30-34) عاماً (25403) مطلقات، في حين بلغ عددهن من الفئة (35-39) عاماً (21430) مطلقة. الشعور بالوحدة وأكدت "جوهرة بنت محمد الصالح" - كاتبة وروائية - أنّ المطلقة تنتابها نوبات معاناة نفسية بسبب النظرة السلبية والقيود الاجتماعية؛ التي تفرضها الأسرة عليها، وهي في الوقت نفسه تعاني كثيراً من الشعور بالوحدة، ولاسيما وأنّ البعض يلقي اللوم عليها من دون الرجل، ولابد من إشعارها بأن الطلاق ليس نهاية العالم، بل إن التجربة الفاشلة لا يمكن أن تؤدي إلى المزيد من الفشل، مضيفةً أنّ على أسرة المطلقة منحها كثير من الحنان؛ لأنها الحلقة الأضعف في الصراع الزوجي، وتعويضها عما كانت تعيشه حتى تستطيع ممارسة حياتها بشكل طبيعي. ضحية ومظلومة وأشار "د. محمد السعدي" - أستاذ علم الاجتماع - إلى أنّ مراقبة العيون للمطلقة أينما ذهبت لها آثار سلبية في حياتها؛ ما يجعلها تخاف من مواجهة المجتمع والانعزال، والشعور بأنّها ضحية ومظلومة من قبل الذين كانوا سبباً في زواجها أو طلاقها، ولتنقذ نفسها من هذه النظرة السلبية وتهرب من لقب المطلقة تقبل بأي طارقٍ قد يكون وبالًا عليها، وخصوصاً إذا كان القادم الجديد متزوجاً من قبل وله أطفال، وهي في هذه الحالة تصبح مربية أكثر منها زوجة. وبين "السعدي" أنّ من ظلم المطلقة أيضاً أنها قد قد تحرم من رؤية أبنائها، وتمنع من الخروج من منزل ذويها، ولا يتكفل طليقها بنفقتها، في حين أنّ عقيدتنا السمحة جعلت للمطلقة نصف المهر حين طلاقها قبل دخول زوجها عليها، وكامل مهرها بعد الدخول بها ومعاشرتها، ويحق لها الحصول على نفقة فترة العدة. هيئة تقدير النفقة وطالب "رشاد الزهراني" - مستشار قانوني - بإنشاء هيئة لتقدير النفقة؛ حتى لا تقع المرأة تحت طائلة الظلم، وتكون لها آليات تتسم بالإنصاف، ولاسيما في غياب المعايير المنضبطة لتحديد الحقوق، ولا غرو أن الفئات الأكثر تضرراً من المطلقات هنَّ ذوات العمر المتقدم لأنها أفنت حياتها في عمل البيت. وأضاف "الزهراني" أنه ولتخفيف معاناة المطلقات لابد من تبني برنامج توعية وتثقيف إعلامي، يهدف إلى تغيير نظرة المجتمع للمطلقة، وأن تشترك الجهات الحكومية، والقطاع الخاص، والمرافق الخيرية في إنشاء جمعيات نسائية تلبي مطالب المطلقات، وتعمل على التعجيل في حصولها على حقوقها، والضغط على الأزواج عبر تشريعات وقوانين صارمة.