ثمة مقولة في هذا الصدد لأبراهام لنكولن يقول فيها (لا آسف على شيء إلا أنني لا أملك إلا حياة واحدة أهبها لوطني) وقبل هذه المقولة نرى أن نبي الله يوسف عليه السلام قد أحرز مكاسب مادية ومعنوية وتتوج بأمجاد خالدة، ومع ذلك كله حينما أراد يوسف أن يستقدم والديه قال يوسف لهما (ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ) مع خضم الأمجاد التي يعيشها يوسف آنذاك نراه قد نسي كل مجد مؤثل قُلد إياه آنذاك، ولم يفطن بباله إلا الوطن الذي أعطاه ما بين يديه. إن للوطن حقوقاً على مواطنيه وهذه الحقوق هي خدمات وأعمال لا كلمات وأقوال. فالفضيلة كل الفضيلة هي خدمة الوطن أنى كان موقع هذا المواطن. إننا في هذا الوطن المعطاء نحمد الله ونشكره أن مواطني هذا الوطن أمسكوا مضامين الوطنية بقرنيها فثمنوا غالياً ما للوطن من حق، وليس بغريب ما يقدمه أبناء هذا الوطن فوطننا قد أكلنا من خيراته اليانعة ونعِمنا بنسيمه العليل، ولن أسيء الظن بأحد ولكن التقصير في حب الوطن ربما يأتي من عدم الفهم العميق والحس الراسخ لمعنى المواطنة والوطن. إني لأشفق على مثل هؤلاء الذين لا يدركون ما للوطن من حب وتقدير.. وإنما هم لا يتجاوزون غرٌ شبع من خيرات هذا الوطن الكريم فلم يستطع أن يحفظ ما أنعم الله عليه به.. فصال وجال في ميادين التنكر لهذا الوطن. وإنه ليحزنني ويحزن كل عاقل أن يرى أن بعضنا لم يعبر عن ذلك النعيم الذي يعيش به إلا بمثل التصرفات الهوجاء غير المسؤولة. كما أنه ليس من الأدب ولا المروءة أن يعض الإنسان تلك اليد التي امتدت إليه وهي مملوءة بالخيرات وهي يد الوطن البيضاء! مع أن الوطنية في بعض معانيها المحافظة على أرض الآباء والأجداد وبالتالي فإن من أسمى معانيها المحافظة على حماية أرض الوطن من أجل الأولاد. ويجب أن يُغرس في قلوب الناشئة حب الوطن منذ الصغر والمسؤولون عن ذلك الوالدين والمعلم وخطيب الجمعة والداعي والواعظ. ومن مستلزمات حب الوطن حب ولاة أمره وما دمت أتكلم عن حب الوطن فإنه من الملفت للنظر أن ثقافة حب الوطن نجدها عامرة في العالم الغربي أكثر من وجودها في العالم العربي والإسلامي على الرغم من أن لنا دينا يحثنا على ذلك. وأختم مقالي بموقف الرسول صلى الله عليه وسلم حينما أخرجته قريش من مكة فوقف على قمة جبل وقال كلمته المشهورة (والله إنك لأحب البلاد إليّ ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت) أليس هذا دليل أظهر من ضوء النهار على موقف الرسول صلى الله عليه وسلم في حب وطنه، شلت كل يد عسراء تحاول العبث بأمن هذا الوطن، وكل وجه تنكر له.