لم تكن حادثة سقوط الطفلة (لمى) في البئر هي الأولى، بل سبقها عشرات الحالات من السقوط في الآبار المهجورة غير المطمورة، وتأثر بذلك مختلف الأعمار والأجناس من رجال ونساء صغاراً وكباراً على حد سواء، فمنهم من أُصيب، ومنهم من قضى نحبه، وأخشى أن يكون منهم من ينتظر موتاً في مثل هذه الحالات! لن أتحدث عن حالة المفقودة (لمى) جبر الله مصاب والديها بفقدها، ولا عما اتخذ من إجراءات فقد أُشبع هذا الموضوع حديثاً وتعليقاً من ذوي الطفلة ومن جهات الاختصاص في عمليات الإنقاذ التي لم يكتب لها النجاح (الحمد لله على قضائه وقدره) ولكن الحديث سيكون عن لبّ المشكلة وأساسها، ألا وهو قضية الآبار المهجورة التي تركها أصحابها لتكون مصدر خطورة لحياة الناس، بل وحتى البهائم لم تسلم من هذا الخطر. هذه الآبار المهجورة، منها ما يتعدى عمره المائة عام، ومنها ما لايتجاوز الأشهر، وتختلف في أحجامها وأعماقها، فقد سقط صاحب سيارة في بئر مهجورة لم يكن جانبها أي حواجز ترابية أو خرسانية أو خشبية، ولكن الله سلّمه، ونجّاه، وأنقذه الله براعي أغنام مر في تلك الصحراء الخالية، وإلا لانتهى في غياهب الجب إلى ما شاء الله. وهناك من الآبار من لا يتجاوز قطرها نصف المتر، وهذه أشد خطورة، وبخاصة على الأطفال وكثيراً ما نراها في الأحياء السكنية وفي الاستراحات، والمزارع، وفي البر يهملها أصحابها، ولا يردمونها ولا يقومون بتغطيتها على الأقل بغطاء حديدي «ملحوم» حتى يتجنب الناس شرها وضررها وخطرها. لقد سبقت حادثة (لمى) - كما أشرت - حوادث متعددة، وفي مناطق مختلفة، منها ما نجح المختصون في علاجها، وكثيراً أخفقوا لقلة الإمكانات وضعف الخبرات، وصعوبة المشكلة حيث ضيق المكان وانعدام (الأكسوجين) وربما وجود الماء واحتمالية الغرق، والمؤمل أن يكون هناك حلولٌ عملية زاجرة للمهملين ورادعة لغيرهم ممن يتهاونون بأرواح الناس، ويتركون هذه الآبار المكشوفة مُعرِّضة حياة الناس للخطر، وحتى لا تتكرر المآسي والمشاكل والفواجع لا بد أن تقوم في كل إمارة لجنة مكونة من الدفاع المدني والبلدية والشرطة والزراعة لتعقب مثل هذه الحالات وإصدار غرامات على المخالفين، وأن من يتسبب في مثل هذه الحوادث، فيتحمّل «الدية» والعوض عن «الإصابات» التي تلحق بالمتضررين. ومن باب التعاون على البر والتقوى، فالمؤمل أيضاً من كل مواطن ومقيم يرى مثل هذه الآبار أن يقوموا بالإبلاغ عنها للجهات المختصة، إذ إن اللجان مهما كثر عددها لن تستطيع الحصر والإحاطة، وما لم يتم التعاون معها من المخلصين فلن نقضي على مثل هذه المشاكل ونحجّم الخطر ونحد من هذه الحوادث المزعجة. لن أعلّق على الإجراءات المتخذة لمعالجة المشكلة كما ذكرت، وما يُقال عن نقص الخبرات وقلة الإمكانات.. ولكنني أؤكد على مبدأ السلامة والوقاية، وأن الوقاية خير من العلاج؛ ولذا فلا بد من التحرك عاجلاً لتلافي تكرار مثل هذه الحوادث، فكل هجرة وقرية ومدينة بها مئات الآبار المهملة إن لم يكن الآلاف! وفي الختام.. أسأل الله - سبحانه وتعالى - أن يجبر مصاب والدي «لمى» وذويها، وأن يربط على قلوبهم، وأن يجعلها شافعة لهم يوم القيامة.. {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ، الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ} (155-156) سورة البقرة.