مع أن هناك ما هو جميل، ونبيل، وراقٍ.. ومثير للإعجاب، ومحرض على الاجتهاد، وفاعل في التطوير.. تشهده الحقيقة، ويقره الاعتراف.. إلا أنه يدهشني هذا التطفل الذي خيَّم على فضاء الإعلام بكل أنواعه، ووسائله، والناطقين فيه، بدءاً بمن يكتبون، ويذيعون، ويعلقون,.. فالكل في «أعراف» مستجدة أصبح مفكراً، وصاحب رأي، ومؤهلاً للنقاش، والكل يزاحم المكان، واللسان، والبنان...!! والإعلام يشرع لهذا النوع من المتطفلين الأبواب على مصاريعها..، يفتح له الطريق، ويوفر له أمن الطريق، بل يمكنه تماماً من الظهور والهيمنة..، بلا انتقاء يناسب، ولا جدية في اختيارٍ موفق..، ضرباً بعرض الحائط أنَّ لكل مقامٍ مقالاً، وينبغي أن يُوضع من يجيد فيه الكلام..!! إنك تجد - على سبيل المثل - في كثير من محطات الفضاء التعليق، والتحليل، ومعالجة المواقف، والإبداء فيها برأي يُدعى لها من ليسوا من فرسانها، بل أقحمتهم فئات أخرى ممن تُسلم لهم أزمة الإعداد, والتقديم، فيفرحون بمن يعرفون، وبمن يسهل عليهم التقرب منهم، والوصول إليهم، فيكررونهم، ويوقفون عليهم مناقشة كل موضوع يقدمونه، وأية فكرة يديرونها، فلا تكاد تقف عند برنامج لهؤلاء إلا تجد الوجوه ذاتها من المقدم، والمحلل، وصاحب الرأي، سواء من حضر في البرنامج حضوراً ذاتياً، أو من نقل صوته، وحضرت صورته.. وتجد الصحف الورقية الرصينة التي لمزيد انتشارها، ولمزاحمة منافسيها، وللحفاظ على رمق أنفاسها، لم تنجُ من المتطفلين كأولئك..!! وحدِّث ولا حرج، عما انتشر في وسائل الإعلام الرقمي، ومواقع التواصل الجمعي من أمر المتطفلين، ولكن بشكل فادح.. لا يخفى على من يقرأ هذه السطور، ولا يختلف مع ما فيها في الاندهاش من كل هذه الأمور..! ما الذي يحدث..؟ مع أن القوم كانوا حريصين على أن يكون الإعلام واجهة لقيمهم، ومكنوناً لأخلاقهم، وسبيلاً لوعيهم، وباباً للفكر الراقي، المختص، وللبيان القويم النقي، وللجمال بمفهومه الواسع ضمناً لكل ما يتصل بالمتلقين..حين كانت هناك حدود تقيّدها أخلاق القوم، لا تسمح لريح الشر، ولا لمناكفة الضغائن، ولا لفساد النوايا، ولا لمن لا يعرف ليهرف بما لا يعرف..! مع أن صنّاع الإعلام يتراكضون من أجل ترسيخ المفهوم الجديد عن الإعلام الحديث..، ويخوضون من أجل تطويره، وتحديث تقانته، وجدية مسراه الكثير,.. ويبذلون له النفيس من المال، الجهد، والوقت,.. إلا أنهم لم يتصدوا بعد لهؤلاء المتطفلين من أولئك المدهشين دهشة عجب، لا دهشة انتصار للأجمل، والأنسب، والأصوب، والأفوق,.. مع أن هناك الجميل، والمناسب، والموفق في جوانب ومجالات لا ينكرها منصف..، إلا أن أولئك المتطفلين المناكبين لهم ينخرون في أسس أبنية ما يقيم المجتهدون، ويصدعون في جدرانها، ويُظلمون شموسها.., وهم يهيلون على عافية المجرى سقمهم... تجدونهم يصبّحونكم، ويمسّونكم بأنوفهم التي يدسونها في كل قضية، وينفخون في أوداج عباراتهم وهم لا يحسنون حتى صياغاتها,.. منهم من يتحدث في أمور ليست في خبراتهم، ومنهم من يفسد الهدوء والوعي، وبعضهم يشوش على الحقائق..، والأدهى الأمَرُّ منهم ممن يتسلّط على الناس ظلماً، وبهتاناً، وأذى وتجريحاً.. هؤلاء المتطفلون يشيعون الطنين...!! ويفسدون الذائقة، والثقة..!! ويطمسون بريق الجمال إن لوَّح بأمل..!!