أراد الخالق -سبحانه- لهذه الأمَّة الوسطِ اليسر والتخفيف إرادة كونٍ وقدرٍ وأمرٍ وتشريع، وجعل ديننا يسرا، وجعل مع العسر كفلين من رحمته ويسره. فإذا كان ربُّنا أراد بنا اليسر، وأنزل إلينا كتابا يسَّره للذكر، وبعث إلينا رسولا ميسِّرًا، وأَمَرنا بالتيسير، ونهانا عن التعسير، فما بال أقوام أنيط بهم تعليم أبنائنا وبناتنا صاروا نقمة على العلم وطالبيه. هذا أستاذ لا يعرف إلا حشو أذهان التلاميذ بالقوة والزجر والتأنيب، غافلا عن الترغيب في الطلب، وتقريب الأمل، وتحبيب العلم إلى قلوبهم وتزيينه لهم، ويا ويلَ وسوادَ ليلِ من دخل الفصل بعده، يزعم أنّ هذا من الحزم، وغرس المهابة، وإعزاز العلم، وبلغني عن أستاذ -لا أدري من هو- قال لتلميذه وهو يحاوره: اخرج من قاعة الدرس، فلما توجه إلى الباب قال: ارجع إلى كرسيِّك الذي كنت عليه وأخرجْه معك حتى لا يذكِّرني بك! فخرج، ولا يُدرَى أيُّما خرج أوّلاً.. الطالبُ بكرسيِّه، أم الرغبة في العلم من قلبه قَبْلَه. وآخر من شَكْله، يجمع إلى ضعف حصيلته قلَّةَ حيلته في تدريسه، وسوءَ تدبيره في أسر قلوبهم بحسن الشرح ولطيف العَرْض. وثالثٌ آخر، يزيد على سابقيه بأسئلة تعجيز، ترى بها الطلاب حَيَارَى ليعجبوا من قوة ذكائه، وبالغ فطنته، ورابعٌ زاد على هؤلاء وأولئك بسوء الكيل وتخسير الميزان، فالأصل عنده أن لا ينجح أحد، ولسان حاله يقول: كلُّكم راسب إلا من أبَى. وخامس لا أقدر على تصوّرِ وجودِه، وهو الذي لو اقتدى به تلاميذه لصاروا من المفسدين الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون. [email protected]