المثقف الواهم والضوء حيرة لا تنفك عن صاحبها وقلق دائم يتشرب في السعي الخديج لتلك الخطا البئيسة. حالة من الفصام المعرفي أصبح السكوت عنها جرما وخطيئة يقع فيها أتقياء الثقافة في وقت وجد به أولئك الواهمون مساحة من علانية البوح فهرفوا بما لا يعرفون وحسبوها لجة حق فكشفوا عن سوء نواياهم وضحالة بناء معرفي يشكلهم سرى بهم لإبطال الحق أو تشويهه على أقل تقدير لحاجات في نفوسهم هب أخبث من تداعيات الخبث ذاته، ومما زاد الأمر شناعة والحال سودا الاحتفاء الغريب لتلك الزمرة المريضة وذلك الجهد المفلس وكأنما الدار خلت من المثقفين الأنقياء الأسوياء وهي لعمري معضلة تؤرق ومصيبة تطعن في خاصرة وعينا المعرفي ولن تكون لنا النجاة إلا بفضح ما يعتري ذلك الواهم من نرجسية جاوزت الحد المعقول والمقبول وسعت بهمجية فوضوية تنال من الرموز وتجتهد في إقصاء الواثق لعجزها المركب عن مسايرته واستيعاب آلية تواجده النقي في ذاكرة الحياة المحيطة به وليت لي قوة أستطيع بها رجم أولئك المدعين والمحسوبين على هويتنا الثقافية كطهر لامناص لنا من التكاتف للوصول له فحين يكثر سواد المتطفلين على الفعل الثقافي ويصبح لهشاشة لغتهم الصيت تفقد الحياة وعيها وينتهك عرض الإبداع ويغدو الموت أولى من الحياة كما قال أبو العلاء المعري. لقد كفلت الحياة بفطرة قانونها أحقية الفرد في اختيار ما يريد رؤيته ويرغب في سماعه لكنها حرمت التجني على الآخرين دون وجه حق ومصادرة بياضا صادقت هي على طهارته كان ثمرا يانعا ومجتنى مغدقا وسكونا ساحرا لخطا واثقة عملت على ذاتها وبنت صرحها كما يجب فكان لها الوصول وطاب لها المقام وتغنى المارة البارعون بما وجدوه في ذلك الصرح من جمال طربوا له ودلوا عليها أداء لأمانة الكلمة فأين منا المنصفون الصادقون ليقفوا في وجه الرويبضة والمدعين وهل للغناء الساحر من عودة بعد أن جلب لنا قصور وعي مدعي الثقافة نشاز اللحن وقبيح المفردة وكسونا من ثياب العار ما أخشى أن يوصم بنا ذات حين وعندها لن يكون للندم نفع أو قرار؟ وبعيدا عن الإقصاء الذي يمارسه أولئك بشكل أو بآخر لمن تصالح مع ذاته فملك في راحلته شيئا من الإبداع لا الادعاء فقدمه نقاء يحرص من خلاله على الوجود الشرعي له في ذاكرة المشهد والنسق الثقافي كونه يملك وعيا واعيا وكلمة تختزل بها الكثير من الجمال فجاء المارقون عن الصواب حاملين معهم بعدا من العثرات المصطنعة ليتلوها زورا وبهتانا في الدروب النيرة دون رادع من ضمير أو خجل من حقارة ما يبتغون. أقول بعيدا عن هذا كله فإن الأخذ على تصحيح مسار مدعي الثقافة والمحسوب عليها شأن وجب على الكل التكاتف من أجله فخيانة أمانة الكلمة وصمة عار لا تغسلها السنين ولا يزيل مرارة التعاطي معها صمتنا حيال تفاقم هذه الظاهرة في وسطنا الثقافي ويبقى إدراك المرء لدلالة الحرف الذي يسطره للناس ويتحدث به عنهم مطية لا يركبها إلا ذو إنصاف ويغدو البحث الدؤوب لحجب المحق عن حقه وما كان هذا ولن يكون إلا ديدن الضعاف والفاشلين في الوصول بما لديهم من معرفة لدائرة الضوء أو الحديث الايجابي للغير عنهم وهنا تكمن العلة الحقيقية في تداعي الأدعياء لمثل هذه الممارسات المقيتة فالسواد والسوء والنكسة المترتبة على استمرارية هؤلاء في غثائهم أدهى وأمر من السكوت عليهم أو تركهم دون حساب. (*) عضو مجلس إدارة نادي الباحة الأدبي