ونحن نمرر الأيام بين يقظة وسعي، وتأمل وغفوة، وفرح وحزن.. بين صفحات مرَّت فنقرأها، وأخرى منبسطة فندونها، ..وطائف منها يلوح فنتخيله.. تمرق بنا الساعات بما فيها دون أن نلتفت فنسأل كم بقى..؟ ومتى سيأتي، وإلى متى سننتظر..؟ الأسئلة المزاملة، والمتزامنة مع الحلم أحياناً..، ومع النفاد أحياناً..، في كمون خاطر لا يهدأ له جناح..، أو توقد خاطر لا يستكين به حس.. نعرف أنهم هنا..، وهناك..، معنا في القافلة وإن بعُدت مواقعنا فيها..، قريبون منا وإن اختلفت وجهات جلوسنا فيها..، لكنهم هنا، يملأون الذاكرة..، يعطّرون صفحات الذي كان.. فالرحلة معهم كانت آمنة..، لأنهم أرسوا دعامات مركبتها، وشحذوا مجاديف إبحارها.. نستيقظ فجأة، لنجدهم قد غادرونا في ليل دامس..، أو ضحى هادئ..، وهم يملأون الحول من حولهم حياة..، ورفيفاً.. مرّ بهم، أخذهم في غفلة منا..، نتلفَّت ثمة من كان هنا منهم، وهناك في المركبة..!! إنه القضاء المحزن..، والفراق المؤلم..، لكنه الحقيقة الأكيدة، البيضاء النجلاء.. ولأننا مستسلمون لهذا القضاء، مؤمنون بأنه سيمر بنا ذات فجاءة لا ندري موعدها..، لا نملك إلا أن تحزن قلوبنا، وتبكي عيوننا، ونتذكّر يوماً سنلتقي به عند مليك رحيم، عفو كريم فنتصبر، ..ونتقبل..، فنحن منه، وله، وإليه راجعون.. تلك محجة صبرنا، وتقبلنا، واستسلامنا..ورضاؤنا.. هكذا فجعنا خلال يومين في علمين مميزين في سماء هذا الوطن..، أسامة عبدالرحمن، ومحمد الرشيد.. عرفتهما إنسانيين مكافحين في مدى عقود تنشئة العمل التربوي، والتعليمي، والإداري..، وفي فضاء الكلمة الأول شاعر، وناقد له بصماته..، والآخر تربوي، إداري، صاحب رؤية، وموقف رأي.. عرفتهما في الجامعة، وعرفتهما في العمل القيادي، كانا نموذجين أذكرهما بكل تقدير..، وأكن لهما ما كانا يكناه لي منه.. لي معهما مواقف تشرح الخاطر، وتضفي جُملاً مشرقة في سجل التدوين.. رحمهما الله رحمة الأبرار، ووسع مدخلهما، وثبتهما، وجعل الفردوس الأعلى مقرهما.. وأنزل السكينة، وجبر أبناءهما، وزوجتيهما، وكل محب لهما، بل كل من عمل معهما، وتعرّف عليهما عن كثب فعرف دماثة الخلق، وهمة العزم، وكفاح الطموحين، ووفاء الصادقين، وإشراقة الطيبين.. أخي الدكتور محمد الرشيد، وزير التربية والتعليم، الأستاذ الجامعي، والكاتب الصادق..، وأخي الدكتور أسامة عبدالرحمن الشاعر المبدع، والعميد الوقور، والناقد الموضوعي..، ..فقدكما كبير، ومكانكما سيشغر طويلاً..، وبصماتكما لا تنمحي، فقد أعطيتما، وأخلصتما..فرحمكما الله رحمة تجعلكما مع الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.. ستبقى لكما ذكرى مفعمة بالنور، عزائي فيكما كبير، وعزائي لأبنائكما ولزوجتيكما أكبر.. فقد أخذكما قبل أن نودعكما.. فالله يكنفكما في كنف رحمته، وعفوه، وغفرانه..وجنانه.. وإنا إليكما لمنقلبون.. إنا جميعنا لله، وإنا إليه راجعون.