تباعد بيننا المسافات بأجسادنا.. في حين يلمنا النبض، ونلتقي بعضنا في الخاطر، والهاجس.. وعند الفرح، والترح نفزع لبعضنا.. ونهرول.. لي زمن ليس بعيدا كثيرا عنكِ يا فاطمة.. وابتسامتكِ البهيجة تتسلل ذاكرتي.. تنعش في تفاصيل الرهق من الحياة كل ذرة، تزيح عنها غباره.. وأنتِ الوفية للفرحِ، والرضاء، واليسر، والصفاء.. خليلة الحياة كأبسط ما يكون التعامل فيها، وأهون ما تقع على النفس أعباؤها.. منكِ كنا نستمد في زحمة العمل كلَّ الأملِ..، وفي معتركِ الحياة معنى الصبر.. ومنكِ نرتوي فيض ودكِ، وطيبتكِ..حتى لم تعد في لحظةِ وجودكِ أي مبرراتٍ لغير تذليل الصعب..، وتقبل العبء.. والابتسامة لأي موقف.. كانت كلمتكِ: «هونوها تهون».. يافاطمة ابنة الرجل الجليل.. الأب الودود، النموذج لجيل الخيرات، والطيبات محمد مكي الكردي.. إلى أين ذهبتِ قبل أن أراكِ.. وأنتِ الغالية، شقيقة الغاليات فريال، وثريا، ومصباح، وشاهزمان..؟ والأشقاء أحمد، وأسامة، وعبدالقادر، وعماد..؟ ومظلة الأم الحنون «معتوقة» تلك الحبيبة التي كنا نتدور حول جلستها العطوفة تطعمنا، وتحدثنا، وتعلمنا.. كم تلهفنا لقصصها، وكم أصغينا لحكمها.. وكم طالبتنا بالتآخي، وأوصتنا على التآزر..؟ ذهبتِ فاطمة وأنا في منأى عنكِ.. حتى إذا ما وصلتني رسالة الغالية مصباح بالنبأ وأحزانه.., هزني الشوق إليكِ، دون أن يدري هذا الشوق بأنه منقطع الرجاء، خاسر الأمنية.. فأنتِ قد رحلتِ،.. و.. أنتِ قد بقيتِ.. وأنتِ تجمعين دموعنا عليك في أوعية القلب، وتفيضين بها علينا الحزن لأول مرة.. لأول مرة يا فاطمة تخلفين فيها ديدن ابتسامتكِ..، وموعد إسعادكِ لنا.. يا لها من فاجعة وأنتِ في عزِّ الأمل..، ومسار التفاؤل..، ويقظة الحياة.. فاطمة، لم تموتي ما دامت لكِ في كل قلب احتواكِ رنة كلمة طيبة منكِ.. ما عهدتكِ إلا هكذا.., الدنيا ليست همكِ.. والعمل بين يديك أمانة..، ورسالة.. والأخوُّة فيك قيمة..، وبذلا.. والحب بوصلتك، ومركبك.. تحبين الناس، حتى اجتمع على حبكِ كلُّ من عرفكِ.. وتتجاوزين عمَّن يسيء مرضاة ً لروح فيكِ عمَّرها الإيمان.. دربتها يدا والدين نموذجين.. أنتِ الآن بين يدي رحيم قريب.. ونحن هنا في دار عبور ما نلبث أن ننهج دربكِ.. فاللهم أسأل: أن تكون خسارتنا فيك رضوان الله تعالى لكِ,.. ورحمته بكِ.. وجنات الفردوس الأعلى مثواكِ,.. وجوار رسول الله صلى الله عليه وسلم مأواكِ.. وأسأله تعالى، أن يجبر كسرنا فيك, برحمة، وسكينة، وجبر يملأ بها نفوس أخواتكِ الغاليات، وإخوانك الأعزاء..، وجميع خاصتكِ، وصديقاتكِ..، وأهلكِ.. وأسأله تعالى، أن يجعل قبركِ من رياض جناته روضة، فسيحة مدَّ بصركِ.. ويرضيك بعفوه، ورحمته ما أرضيتِ كلَّ من أحبكِ.. يا فاطمة،.. يا غالية.. عدتِ لربكِ إن شاء الله الكريم مطمئنة لمغفرته، راضية بعفوه، مرضية بجوده وكرمه.. وإنا والله على فراقكِ لمحزونون.. تدمع لكِ العيون.. وتبكيك القلوب.. ولقد كنتِ تعلمين..، وعلمكِ هذا هو عزائي يوم لم ألقكِ.. لكنني سألقاكِ عند كريم رحيم.. أسأله أن يجمعنا على حوض سيد المرسلين، عليه الصلاة والسلام، نشرب بيده الكريمة شربة هنيئة لا نظمأ بعدها أبدا.. رحمكِ الله يا فاطمة،.. رحم الله إنسانا فيك، وخلقا تمتعتِ به، وصفات نبيلة جُدتِ بها على من عرفكِ.. رحمكِ الله يا طيبة.. وأسكنك حيث تأملين من جناته العليا.. وإنا لله وإنا إليه راجعون.. عنوان المراسلة: الرياض 11683 **** ص.ب 93855