كتب الباحث في طبّ الأعصاب غاري ماركوس مؤخراً مقالة حادة النبرة كالمعتاد للموقع الإلكتروني التابع لمجلة «ذا نيويوركر»، شرح فيها مدى الغباء الذي تبقى عليه تقنيات الذكاء الاصطناعي الأكثر حداثة. وعلى سبيل المثال، يبقى من الصعب على هذه التقنيات الإجابة عن أسئلة كالآتي: لقد رفض مستشارو البلدة منح ترخيص للمتظاهرين الغاضبين؛ لأنهم خافوا من أعمال العنف. من خاف من أعمال العنف؟ أ) مستشارو البلدة ب) المتظاهرون الغاضبون. اصطدمت الكرة الكبيرة بالطاولة مباشرة لأنها مصنوعة من البوليستيرين القابل للتمدد. ما الذي صُنع من البوليستيرين القابل للتمدد؟ (إشارة إلى أنّ صياغة بديلة للسؤال تستبدل البوليستيرين القابل للتمدد بالحديد). أ) الكرة الكبيرة ب) الطاولة ونحن البشر قادرون عن الإجابة عن هذين السؤالين فوراً ومن دون أخطاء. إلاّ أنّهما يسبّبان مشكلة حتى لأكثر الأنظمة نفوذاً اليوم. وفي التفسير الذي أعطاه ماركوس، قال: إنّ السبب يعود إلى كون الذكاء الاصطناعي يفتقر إلى المنطق، ويعتمد على طاقة حوسبة هائلة، إلى جانب كميات كبيرة جدّاً من البيانات. ولكن في حال افتقار البيانات السابقة إلى أسئلة أو مستندات عن الكُريات، والحديد، والطاولات، والبوليستيرين القابل للتمدد، والاصطدام، لن تكون قوة الحوسبة الهائلة هذه ذات منفعة كبيرة. وشرح ماركوس قائلاً: إنّ عدداً كبيراً من العاملين في مجتمع الذكاء الاصطناعي مستاءون لأن أمثلة الذكاء الاصطناعي الأكثر تقدماً، التي تحقّق نجاحاً تجارياً، «تتصرّف بطريقة زائفة» (وهذا كلامي أنا، ولا يعود لماركوس). وهي عبارة عن أجهزة لا تمتثّل لدماغنا في طريقة تفكيرها، بل تكتفي بعمليات مطابَقَة قسريّة لمعلومات مأخوذة من قواعد بيانات متزايدة (ومتحسّنة) باستمرار. ولا شكَّ في أن هذا الخبر يبعث الطمأنينة في النفوس، فأنا لا أريد أن تفكر الكومبيوترات بأي طريقة تذكّر فعلاً بما يفعله البشر. ولو باتت تمتلك هذه المهارة، لكانت كل النتائج التي أتوقعها سيئة. ومن شبه المحتّم أنّ الذكاء الرقمي سيأتي مرفقاً بصفات كالوعي، والإدراك الذاتي، والإرادة، وبعض الحس المرتبط بالشؤون المعنوية و/ أو السلوكية التي تساعد على توجيه القرارات. وأعتقد أن الاحتمال ضئيل جداً بأن تتطوّر هذه الأمور بطريقة مؤاتية للبشر. ومن المعروف أن الإنسان هو من ابتكر الكومبيوترات. إلا أننا نطيح على الدوام بأعداد كبيرة منها، ونرميها في مكبّات النفايات بلا تفكير ما إن ننتهي منها، علماً بأننا نتصرّف بفظاظة عموماً مع أدواتنا الرقمية. فكيف نتوقّع أن تعاملنا بطريقة أفضل إن هي أدركت ذلك؟ ولا أحاول أن أكون ظريفاً في كلامي هذا، إذ أعتقد فعلاً أن الآلات المفكرة ستشكل تطوراً مخيفاً إلى حدّ كبير – يشكّل المثال الحاسم عن جنّيّ خرج من الفانوس. ومن المؤكّد أنّ عصر الآلة الثاني سيكون مشوباً بما يكفي من الغموض والخطر في ظلّ التلاعب الوراثي، والطائرات من دون طيار، والحروب الإلكترونية، والحوادث في أنظمة التشغيل، وكل التداعيات الأخرى القابلة للتوقع وسط التطوّر التكنولوجي الذي لا يتوقّف أبداً، ولا ينفكّ يتراكم، ويتسارع. وبالتالي، لماذا نضيف آلات مفكّرة حقيقية إلى هذه القائمة؟