هنالك حكمة فرنسية شهيرة تقول (لا تكشف جميع أوراقك للآخرين)، كما يقول طبيب علم النفس سيجموند فرويد: (اجعل فيك دائماً جزءاً غامضاً يبني عليه الآخرون آمالهم).. ربما يتضح المغزى من هذه المقولات حين تتعرض للأسئلة (التشخيصية) من الناس وتجد أن الكثير منهم يود أن يعرف ماهيتك، أو من أنت؟ عندها سيكون من الخطأ أن تكون صريحاً جداً لدرجة أن تكشف كل ما لديك بشكلٍ فاضح، فربما قد تدفع ثمن ذلك بأن تخسر فرصة في عملك حين يسألك مديرك عن قدراتك العملية وتكون إجابتك محدودة.. وربما قد تخسر حتى أي فرصة في الحياة حين تكشف للآخرين أين تنتهي حدود تحملك للمسؤولية! فلا يتعارض أبداً مع الصدق والصراحة أن تكون شخصاً يحرص في إجاباته على إضافة غموض نسبي.. فلو سُئلت في مقابلة شخصية مثلاً: ما الذي يميزك عن غيرك؟ حاول أن تختم إجابتك بقولك (وهناك أمور كثيرة غير ذلك), فلعل إجابتك لم تكن شافية أو ليست هي الإجابة المنتظرة من قبل رب العمل فيكون الجزء الغامض في الإجابة بوابة له ليحتسب من خلاله أن ما كان يريده منك ربما يكون في هذا الجزء الغامض.. يقول الله سبحانه {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى}.. في هذه الآيه الكريمة تبيان على فن الحوار.. فكلنا يعرف أن الله أحاط علمه بكل شيء وليس الله بحاجة أصلاً أن يسأل موسى عن تلك التي بيمينه لأنه لا يعلم ما هي! وهذا ما يجعلني مؤمن أن القرآن مدرسة علمية بأبسط آياته ولذلك يورد لنا الله مثل هذه الحوارات لنتعلم منها الإجابات المثالية.. فمثلاً.. جميع الكتب السماوية لم تثبت أن للنبي موسى استخدامات شخصية أخرى للعصا غير التوكؤ عليها وهش الغنم. ولكنه ختم إجابته بغموض نسبي حين قال {مَآرِبُ أُخْرَى} حتى لا يخسر فرصة قد يعرضها الله عليه فيما لو كانت إجابته غير موفقة وخشي أن الله يريده في استخدامات أخرى.