يستكمل الأستاذ عمرو خالد مساء اليوم عبر القنوات الفضائية سرده لقصة سيدنا موسى من خلال برنامجه الرائع " قصص القرآن " الجزء الثاني ويستحضره الآن عائدا ومعه امرأته وأهله في طريقه من مدين إلى مصر، الطريق طويل وسبق أن استغرق منه ثمانية أيام عندما سار به وحده من قبل، وقد اختار ليلة مقمرة لتساعده في هذا الطريق الطويل وكان خبيرًا في الصحراء، حتى وصل إلى حدود مصر واقترب من سيناء، حتى صار على بعد خطوات من جبل الطور، من اللحظات الحاسمة التي ستنقله إلى مقام أولي العزم من الرسل، إلى كليم الله. وقد كان الطقس جميلاً ، وهادئًا، وفجأةً تغير الجو، وبدأت السحب الكثيفة تحجب القمر حتى اختفى القمر تمامًا، وساد ظلام شديد، ورعد وبرق، ورياح شديدة البرودة وأمطار، كل هذا قبل التكليف بثوانٍ. وفجأة لمح سيدنا موسى نارًا قوية وسط هذا الظلام تبعد عنه بضعة أمتار باتجاه الجبل والوادي الذي يقع أمام الجبل، انظر سورة طه [وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى * إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آَتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى] {طه:9- 10} هذه النار لم يرها غيره، فتحرك باتجاهها، وقد ذهب وهو خائفً وعاد نبيًا مكلفًا، مشى حتى وصل ودخل الوادي، وهنا لابد من توضيح نقطة وهي أن المنطقة كلها اسمها الطور وليست مقتصرة على الجبل [إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالوَادِ المُقَدَّسِ طُوًى] {النَّازعات:16} . ويصف الأستاذ عمرو خالد لحظات دخول سيدنا موسى في الوادي مسافةَ بضعةُ أمتار، وقد سار قليلًا حتى وصل فرأى أن النار الموقدة تخرج من شجرة خضراء، هذه النار لا تأكل الشجرة ولا الشجرة تطفيء هذه النار بل على العكس هذه النار تزيد الشجرة الخضراء ضياءً، فاقترب سيدنا موسى أكثر وأكثر من النار فإذا بها ليست نارًا إنما نور [فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الوَادِ الأَيْمَنِ فِي البُقْعَةِ المُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللهُ رَبُّ العَالَمِينَ] {القصص:30} وإذا به يسمع اسمه يملأ السماء ويملأ الكون. ما أحب أن أذكره هو أن الخروج من الوحشة والظلمة لا يتحقق إلا عند اللجوء إلى الله، وكانت هذه هي الرسالة . [إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالوَادِ المُقَدَّسِ طُوًى * وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى * إِنَّنِي أَنَا اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي * إِنَّ السَّاعَةَ آَتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى] {طه:12إلى15}. ويبين الأستاذ عمرو خالد من خلال وصفه لتلك الوقائع عظمة سيدنا موسى عند الله، ورغم ذلك كان عليه السلام في حالة كبيرة من الارتباك والقلق ، فالله سبحانه بدأ معه بثلاثة أمور: الأمر الأول: التوحيد [إِنَّنِي أَنَا اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي....] {طه:14} الأمر الثاني: الصلاة [.... وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي] {طه:14} الأمر الثالث: القيامة [إِنَّ السَّاعَةَ آَتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا ....] {طه:15} ويقوم الأستاذ عمرو خالد بترتيب هذا اللقاء مستحضراً أحداثه لحظه بلحظه .. فالبداية كانت تعارف، ثم جاء بعدها التوحيد ثم العبادة. .. ويتساءل : هل رأينا أهمية الصلاة مع سيدنا موسى عليه السلام وفي الإسراء والمعراج مع سيدنا محمد _صلى الله عليه وسلم_؟ ويفاجأ سيدنا موسى بقول الله عزّ وجل "[وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى] {طه:17} هذا سؤال فيه مؤانسة من الله لسيدنا موسى في هذا الموقف الرهيب فالله الحنان المنان الذي يحب عباده حاوره ليخفف من عظمة هذا الموقف [قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآَرِبُ أُخْرَى] {طه:18}. يقف الآن سيدنا موسى طائع لله فيقول له الله: [قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى] {طه:19} الطاعة دليل حب ودليل ثقة [فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى] {طه:20} هنا نلاحظ أن العصا في القرآن جاء وصفها في ثلاث أوضاع مختلفة، فمرة وصفها بأنها [فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى] {طه:20} حية تسعى، ومرة أخرى [فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ] {الشعراء:32} ومرة أخرى [... فَلَمَّا رَآَهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ .......] {القصص:31} وإذا بالله يناديه: [... يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الآَمِنِينَ] {القصص:31}. [..خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الأُولَى] {طه:21} أخذها موسى خائفًا، فعادت إلى حالتها الأولى، وهذه هي أول معجزة، وكان سيدنا موسى في حيرة وعدم فَهمٍ لما يحدث، فكان الله سبحانه يمهد له ما سيطلبه منه بعد ذلك، وإذا بالمعجزة الثانية: [اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ ....] {القصص:32} وكان سيدنا موسى أسمر اللون، وهنا جاء أمر الله أن يضع يده في جيبه فتخرج بيضاء كأنها القمر من غير سوء، في حين أنه إذا ما كان هناك شخص أسمر ويوجد بقعة بيضاء في يده أو ذراعه فيكون ذلك نتيجة لمرض مثل البَرَص. وقد شعر سيدنا موسى بالخوف أكثر بعد هاتين المعجزتين، ولكن الله سبحانه الحنان المنان الكريم يقول له [وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ ....] {القصص:32} أي ضع يدك على صدرك فتهدأ. ويوضح الأستاذ عمرو خالد علاقة المعجزتين بفرعون؟ وما الهدف من معجزة العصا؟ فالله سبحانه وتعالى لا يرسل معجزة إلا وأن تكون مناسبة للعصر الذي جاء فيه النبي، فلا يكفي أن يكون معك الحق ولكن لا بد أن تعرض هذا الحق بطريقة مؤثرة ومناسبة لمن حولك، فما علاقة هذه القصة بنا؟ أحيانا كثيرة يكون معنا الحق ولكن نفتقد القدرة في عرضه، فالأشرار يجيدون عرض الحق بشكل مزين لأنه باطل، لكن الأخيار لا يعرفون كيف يعرضون هذا الحق بشكل جذاب عصري مناسب لعصرهم. ففي عصر سيدنا موسى كانوا يشتهرون بالسحر فبعث الله لهم معجزة ربانية تتحدى هذا السحر، ورسالة إلى فرعون لكي يفيق من طغيانه وضلاله ويعلم أن موسى عليه السلام نبي مرسل من الله. أما العصا ففيها أمر آخر خطير، فكل دولة من الدول عندها رمز تضعه في العلم التابع لها، مثال على ذلك إنجلترا الأسد رمزها وتجده في علم بلادهم، أما فرعون فكان رمزه الثعبان وكان هذا الرمز موجود على قصر رمسيس الثاني، ليس هذا فقط بل إن الثعبان كان أحد الآلهة التي كان يعبدها فرعون، فرمز قوته هو الذي سيلتهمه، سر العصا ليس أنها انقلبت إلى ثعبان لكنها مناسبة لهذا العصر، فهي بذلك وسيلة مشوقة عصرية جذابة، وفيها منتهى التحدي لفرعون، فهي لا بد وأن تهز فرعون؛ فموسى جرى عندما رأى العصا تنقلب إلى حية فكيف بفرعون؟ المعجزة الثانية: اليد، لما ترمز؟ برع الفراعنة في التحنيط، حيث كانوا يعالجون جسد الميت كيميائيًا بطريقة تجعله في شكل مختلف ولمدة طويلة، وكان فرعون ينفق أموال طائلة على التحنيط، وكان علماء التحنيط من أغنى الناس في تلك الأيام، وهنا سيتحدى سيدنا موسى فرعون بآية من الله ليد من جسد حي بدون معالجة كيميائية، ففرعون قَبِلَ التحدي في الآية الأولى آية العصا لكنه تجنب الثانية لأنه لا يقدر عليها فهي تتحدى التحنيط الذي كانوا يقومون به، لذلك لا بد أن نعرف قيمة الآية الثانية وهي أقوى من الأولى، وفرعون تجنبها لأنه لا يقدر عليها. ويوضح الله تعالى لسيدنا موسى الهدف من هاتين المعجزتين ويقول: [اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى] {طه:24} [فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى * وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى] {النَّازعات: 18-19} وهذا يعني أن أمام سيدنا موسى مهمتين: المهمة الأولى : أن يذهب إلى فرعون ويدعوه أنه لا إله إلاّ الله، وأن يوقف الظلم. والمهمة الثانية : أن يرسل معه بني إسرائيل، فقد جعل فرعون من مصر سجن كبير لبني إسرائيل. فالأمر غاية في الصعوبة ، ففرعون حاول قتل سيدنا موسى من قبل ثلاث مرات، وفرعون القائل: [... أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى] {النَّازعات:24}. والأربعين سنة التي مرت من حياة سيدنا موسى بكل ما فيها من أحداث كانت جميعها تحضير وتمهيد لهاتين المهمتين. فما هي مهمتنا نحن؟ نأكل ونشرب ونتزوج، وننجب، ثم نموت هل هذا هو الهدف من وجودنا؟ ابحث عن مهمة يكلفك بها الله، اطلبها منه. فلقد موسى تلقى التكليفين بمنتهى الوضوح وبلا أي التباس، تلقى الرسالة وهو يدرك المعوقات التي ستواجهه [قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ * وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلَا يَنْطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ * وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ] {الشعراء:12إلى14}. سبحان الله الذي سمح لعبده أن يعرض عليه مخاوفه ومقترحاته، سبحان الذي أعطى الحرية لعباده، فيا آباء، ويا معلمين، ويا حكام، لماذا لا نمنح أولادنا، وتلاميذنا، وشعوبنا، مساحة حرية وفرصة للتعبير عن آرائهم ومقترحاتهم ومشاكلهم، فإذا كان رب العالمين قد سمح لعبده بعرض مشاكله، فهو خائف من أن يذهب إلى فرعون ومن أن يكذبوه، كذلك أفصح أمام الله أنه إذا ضاق صدره أي عند شدة الانفعال فلن يستطيع أن يعبر عن نفسه أمام خصمه فيضيق صدره، ولا تصدقوا الروايات التي تقول أنه كان يعجز عن النطق بعد أن أجبره فرعون على أكل جمرة من النار فهذا كلام غير صحيح، ولهذا طلب سيدنا موسى من الله أن يرسل معه أخاه هارون والذي كان أفصح منه خاصة أن سيدنا موسى كان بعيدًا لفترة طويلة عن مصر، وهارون عاش في مصر ويعرف اللغة المصرية القديمة وأكثر فصاحة منه، كذلك وقد كان لهم عليه ذنب فهو بشر ومن حقه أن يخاف عندما يقف أمام فرعون.. فيأتي ردّ الله [قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى * فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الهُدَى] {طه:46-47}. طلب موسى طلب آخر من الله [قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي * وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي * كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا * وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا * إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا * قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى] {طه: 25 إلى 36}. الختام لابد وأن تكون هناك جرعة اطمئنان وثقة من رب كريم لعبده الضعيف [وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى * إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى* أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي اليَمِّ فَلْيُلْقِهِ اليَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي] {طه:37 إلى 39}. ويحرك الأستاذ عمرو خالد الحمية الدينية في قلب المشاهد عندما يقول له : اسأل نفسك ماذا فعل الله معك، ألا تهتز لهذه الآيات؟ هل رأينا كيف يُطَمئِن الله عباده المخلصين يرسل لهم رؤية تطمئنهم، أو أم تخاف عليهم وتدعو لهم، أو أب يشجعهم، أو أخ يساندهم. اعملوا لله يا شباب، يا صناع الحياة، يا من لا تفعلون شيئًا للإسلام، فخسارة كبيرة أن يضيع عمركم دون أن تقوموا بأي عمل للإسلام، فليس هناك أجمل من أن يستخدمك الله. ونتواصل بمشيئة الله غداً مع الحلقة العاشرة في سلسلة حلقات " قصص القرآن " للأستاذ عمرو خالد .. وللحديث بقية.